فيا عباد الله! أنتم على مشارف مواسم مباركة، يتقرب فيها إلى الله بذكره بالنحر له، ويتقرب فيها إلى الله بحج بيته الحرام، وبسائر أعمال البر عموماً، فلا تفوتنكم هذه المواسم الطيبة، ولا تفرطوا فيها، فإن أيامكم مرصودة ومحدودة، ولكم آجال لن تؤخروا عنها يوماً ولن تقدموا عنها ساعة، وغداً ستنظر كل نفس ما قدمت من خير أو شر، وستقول نفس: {يَا حَسْرَتَا عَلَى مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ وَإِنْ كُنْتُ لَمِنَ السَّاخِرِينَ} [الزمر:56].
فلا تجعل أخي عاماً ينصرم وقد غبنت فيه، فما هي إلا سنوات يسيرة وتوضع في قبر موحش مظلم، ليس لك أنيس، ولا جليس إلا عملك الصالح، فلا يفوتنك ذكر الله في هذه الأيام، ولا تبخلن بمال تنفقه في حج بيت الله الحرام، وفي التقرب إلى الله بالأضاحي، وإطعام المساكين، ولا تبخلن بمالٍ تزود به حاجاً يهدي لك عند بيت الله الحرام، وهذه سنة افتقدها الناس: ألا وهي إرسالهم الهدي، فإن لم تحج فأرسل الهدي إلى بيت الله الحرام، فإن نبينا محمداً عليه الصلاة والسلام كان يقلد الهدي وهو بالمدينة، ويرسله مع الحجيج كي ينحر عند البيت الحرام، ويتصدق به على المساكين.
ومسألة: الأخذ من الشعور والأظفار في العشر الأُول من ذي الحجة: مذهب الشافعي أن ذلك على الكراهة وليس على التحريم، وبعض الشافعية يقولون: لا يمنع أصلاً؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يرسل هديه من المدينة إلى مكة ولا يجتنب شيئاً مما يجتنبه المحرم، وستأتي هذه المسألة بتوسع إن شاء الله، فمن لم يستطع منكم الحج وعنده سعة من المال فليرسل مع أي حاج من الحجيج كي ينسك ويهدي له هنالك، فيثاب ويغفر له مع المغفور لهم، إذ من أقرب القربات أن تتقرب إلى الله بإطعام الطعام، فمن كان في سعة فلا يمتنعنَّ من ذلك، وبين الحين والآخر يذبح ذبيحة إن كان موسراً، فيرسل بها هدياً إلى المساكين في الحرم، فيشكر الله منه هذا الصنيع، ويرفعه الله به درجات.
لا تغفلوا عباد الله في مثل هذه الأيام عن عمل الصالحات.