قال الله: {وَإِذْ بَوَّأْنَا لِإِبْرَاهِيمَ مَكَانَ الْبَيْتِ} [الحج:26] أي: أعلمناه به وأرشدناه إليه، وأنزلناه فيه، {وَإِذْ بَوَّأْنَا لِإِبْرَاهِيمَ مَكَانَ الْبَيْتِ أَنْ لا تُشْرِكْ بِي شَيْئًا وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْقَائِمِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ} [الحج:26] مم يطهره إبراهيم صلى الله عليه وسلم؟ قال أهل العلم: يطهره أول ما يطهره من الأوثان التي فيه، وكذلك يُطهر كل مسجد من الأوثان التي فيه، ومن ثم جاء النهي عن اتخاذ القبور مساجد، قال نبينا محمد عليه الصلاة والسلام: (لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم وصالحيهم مساجد) يحذر ما صنعوا، وقال صلوات الله وسلامه عليه: (لا تجلسوا على القبور، ولا تصلوا إليها)، وقال صلى الله عليه وسلم في قوم اتخذوا قبور أنبيائهم وصالحيهم مساجد: (أولئك شرار الخلق عند الله يوم القيامة، أولئك إذا مات فيهم العبد الصالح بنوا على قبره مسجداً، وصوروا فيه تلك التصاوير)، وقال عليه الصلاة والسلام: (الأرض كلها مسجد إلا المقبرة والحمام).
قال تعالى: {وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ} [الحج:26] أخذ العلماء من ذلك: فضيلة تطهير المساجد بصفة عامة، حتى من الأذى، فتبخير المساجد، وتطيبها فضيلة.
كانت امرأة سوداء تقم المسجد فماتت، فقبروها ليلاً، ولم يخبروا النبي صلى الله عليه وسلم بذلك، فلما أصبح سألهم عنها، فقالوا: ماتت، وكرهنا أن نوقظك فدفناها ليلاً، فذهب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى قبرها فصف أصحابه وصلى عليها مرة ثانية؛ لأنها كانت تقم المسجد.