هناك بواعث تبعث على الاغتياب جدير بنا أن نتقيها حتى لا نقع في هذه الغيبة المذمومة المحرمة، ومن هذه البواعث: قلة العلم بالله وبحدود الله؛ لذلك نجد الذين لا يعرفون حدود الله، ولا يوقرون أمره، ولا يعرفون حقوق أهل الإسلام هم الذين يغتابون، هم الذين، وهم الذين فلذلك العلم بحدود الله من أفضل الوسائل لكف الشخص عن الاغتياب.
كذلك قلة الورع، فمن قل ورعه طعن في الأعراض، أما من زاد ورعه فكما قالت أم المؤمنين عائشة رضي الله تعالى عنها في شأن زينب بنت جحش رضي الله عنها، قالت في شأن زينب مع حديث الإفك: (لما استشارها رسول الله صلى الله عليه وسلم قائلاً: يا زينب! ما تقولين في عائشة؟ قالت: أحمي سمعي وبصري يا رسول الله! أهلك وما علمت عليها إلا خيراً، قالت عائشة: فعصمها الله بالورع).
فالورع يعصم الشخص من الوقوع في الأعراض، أما قليل الورع -عياذاً بالله- فيخوض يمنة ويسرة في أعراض المسلمين والمسلمات.
ثم كذلك الدافع إلى هذا الداء البغيض الحسد الذي يجب أن نتخلص منه، فالحسد يحمل على الغيبة، ويحمل على النميمة، كما قال الشاعر: حسدوا الفتى إذ لم ينالوا سعيه فالقوم أنداد له وخصوم كضرائر الحسناء قلن لوجهها حسداً وبغياً إنه لذميم فالحسد يجعلك دائماً تنتقد الناس، وتنتقص الناس، فجدير بك أن تسأل ربك سبحانه وتعالى أن يخلصك من هذا الداء.
كذلك من البواعث على الغيبة المذمومة المقيتة هو ترك الانشغال بعيوب النفس والنظر في عيوب الناس، كما قال رسولنا محمد عليه الصلاة والسلام: (يبصر أحدكم القذاة في عين أخيه وينسى الجذع في عينه)، (يبصر أحدكم القذاة -الشيء اليسير- في عين أخيه وينسى الجذع في عينه).
فإذا انشغلت بنفسك وجدت فيها متسعاً للخوض فيها ومعها لإصلاحها، وابتعدت عن عيوب الناس، إذا انشغلت بنفسك لإصلاحها وجدت متسعاً للبعد عن الغيبة وللبعد عن النميمة.
وقد سئل الإمام أحمد رحمه الله تعالى عن الذي دار بين علي ومعاوية رضي الله تعالى عنهما، فأجاب بآية كريمة لعلنا نتعلم منها قال: {تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُمْ مَا كَسَبْتُمْ وَلا تُسْأَلُونَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [البقرة:134].
لن يسألك ربك سبحانه فيقول لك: من الذي كان على الصواب يا عبدي! علي أو معاوية؟ لن يسألك ربك عن هذا، إنما يسألك الله سبحانه كما قال: {وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ فَيَقُولُ مَاذَا أَجَبْتُمُ الْمُرْسَلِينَ} [القصص:65] هذا الذي سيسألك ربك سبحانه وتعالى عنه.
فلا تكن إذاً من الذين عميت عليهم الأنباء يومئذٍ فهم لا يتساءلون، سيسألك ربك عن نبيك محمد ماذا أجبته؟ كما قال عليه الصلاة والسلام: (إنكم مسئولون عني، فماذا أنتم قائلون؟) فأنت مسئول بالدرجة الأولى عن نبيك وعمّا جاء به، فهل اتبعت هذا الرسول الكريم؟ هل امتثلت أمره؟ قال تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا لِيُطَاعَ بِإِذْنِ اللَّهِ} [النساء:64].
فاشتغل بعيوب نفسك، واسأل نفسك ما الذي امتثلت من أمر الله وما الذي ضيعته من أمر الله سبحانه؟ هل أنت ممن ستأتي يوم القيامة قائلاً: {يَا حَسْرَتَا عَلَى مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ} [الزمر:56] فيا حسرتا، تعالي وحلي على هذا الشخص الذي فرط في جنب الله.