من الذي يجنبك الغيبة الذميمة والمقيتة والبغيضة: إكثارك من ذكر الله، فهي وصية جامعة أرسلها سلمان الفارسي إلى أبي الدرداء للأخوة التي كان النبي عليه الصلاة والسلام آخى بينهما بسببها، قال سلمان لـ أبي الدرداء بعد أن حمد الله وأثنى عليه بما هو له أهل: (أما بعد, فإني أوصيك بالإكثار من ذكر الله فإنه دواء، وبالإقلال من ذكر الناس فإنه داء، والسلام عليكم ورحمة الله).
كانت هذه رسالة موجزة وبليغة من سلمان، فقللها بعد ذلك ابن عون فقال: ذكر الله دواء وذكر الناس داء، وهذا يصدقه قول ربنا سبحانه: {الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ} [الرعد:28] لن تندم أبداً يوماً من حياتك لكونك قلت: سبحان الله، لن تندم أبداً يوماً من حياتك لكونك قلت: الحمد لله، ولكن قد تندم أيما ندم إذا ذكرت فلاناً من الناس بشر، لكن لن تندم لا في دنيا ولا في آخرة على كونك ذكرت سبحانه وتعالى.
فعليك بالإكثار من ذكر الله فهو يشغلك عن ذكر الناس فضلاً عن ترطيب اللسان، فضلاً عن قمع الشيطان، فضلاً عن إرضاء الرحمن والارتفاع في الدرجات العلى، والترقي في النعيم المقيم.
فهذا من أنجع الأسباب للوقاية من الغيبة، فينبغي أن تتقي مجالس السيئين الشريرين الذين هم كما وصفهم نبينا محمد عليه الصلاة والسلام كأنهم نافخو كير، بل والله هم أشد من نافخ الكير، قال عليه الصلاة والسلام: (ونافخ الكير إما أن يحرق ثيابك، وإما أن تجد منه ريحاً خبيثة) هذا الصاحب السيئ ما إن تغادر مجلسه حتى يغتابك أنت ويصورك بتصويرات مشينة مهينة أمام زملائك الذين كنت معهم.
فعليك بمجالسة أهل الفضل وأهل الصلاح؛ لأنهم في غيابك يدعون الله لك بالتوفيق.
هذه بعض البواعث التي قد تبعث على الغيبة.
ومن البواعث التي قد تبعث على الغيبة دفع الشائعات، فمثلاً: يبلغ عن شخص أنه قال في عرضك كذا وكذا، تقول: لا ما حصل مني كذا، بل هو الذي صدر منه كذا وكذا وكذا، وتقع في اغتيابه نتيجة شائعة جاءت إليك من مغرض من المغرضين.
فيجب أن تنتبه لمثل هذه الشائعات وأن تتقي هذه الأدواء، وأن تسأل الله سبحانه وتعالى أن يهديك لأفضل الأخلاق والأعمال، وتستعيذ بالله من منكرات الأخلاق والأهواء والأدواء.