فهم الأدلة فضل يؤتيه الله من يشاء

الفهم للأدلة فضل من الله يؤتيه من يشاء، والله ذو الفضل العظيم، فهم الدليل لا يوزن بالأعمار، ولا يوزن بالسبق في طلب العلم، لكن يقاس ويوزن بالصدق، فأخلص يفتح الله عليك: {وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمْ اللَّهُ} [البقرة:282] لا تستهينوا بأمر التقوى في طلب العلم، كان ابن تيمية طيب الله ثراه إذا استشكلت عليه مسألة من المسائل أقام الليل لله جل وعلا وسجد بين يدي الله، وبلل الأرض والثرى بدموع الخشوع والتذلل والتضرع للملك، وسأل الله عز وجل بهذا الدعاء الكريم فقال: يا معلم داود علمني، ويا مفهم سليمان فهمني! تضرع إلى الله، والله لو علم الله منك الإخلاص والصدق لفتح عليك من كنوز فضله بما لا يمكن على الإطلاق أن يعبر عن هذا الفتح بلغة بليغ أو فصاحة فصيح، {ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ} [الحديد:21].

غضب كبار أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم على عمر كيف يأذن لـ ابن عباس رضي الله عنهما أن يدخل مع مشايخ أصحاب رسول الله في مجلس الشورى، ومن أبنائهم من يكبر ابن عباس! فأراد عمر أن يبين لهم أن الأمر لا يقاس بالأعمار، ولا يقاس بالسبق، إنما يقاس بالصدق، وذلك فضل الغفار يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم.

فأراد عمر أن يبين لهم ذلك، فسأل الصحابة عن سورة النصر: {إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ * وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجًا * فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا} [النصر:1 - 3] قال لهم عمر: ما تقولون في هذه الآيات؟ فقالوا: نقول فيها: إن الله يأمر نبيه إن نصره وفتح عليه مكة أن يكثر من الاستغفار والتوبة، فالتفت الفاروق الملهم إلى ابن عباس وقال: ما تقول أيها الشاب الكريم في هذه الآيات؟ فالتفت ابن عباس إلى عمر وقال: أقول فيها بخلاف هذا يا أمير المؤمنين، أقول: إن الله قد نعى بهذه السورة لرسول الله أجله.

يعني: قد أتم الله عليك النصر، وأكمل لك الدين، وأتم بك النعمة؛ فاستعد للقاء الملك.

{إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ * وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجًا * فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا} [النصر:1 - 3] أي: أكثر من العمل الصالح، وداوم على الاستغفار، واستعد بعدها للقاء الملك الغفار.

فهم عجيب! {ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ} [الحديد:21].

قصة أخرى: كاد عثمان بن عفان رضي الله عنه أن يرجم بريئة اتهمها البعض بالزنا؛ لأنها وضعت ولدها لستة أشهر، فقال علي بن أبي طالب: رويداً يا أمير المؤمنين! فإني أرى أن الله عز وجل قد ذكر في قرآنه أن المرأة قد تضع ولدها لستة أشهر، قال: أين ذلك يا علي وقد قرأت القرآن من أوله إلى آخره وما وقفت على هذه الآية؟! قال: اقرأ قول الله: {وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ} [البقرة:233] فهذه أربعة وعشرون شهراً، والآية الأخرى: {وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلاثُونَ شَهْراً} [الأحقاف:15] اخصم أربعة وعشرين من ثلاثين يبقى ستة شهور، قال: جزاك الله خيراً يا أبا الحسن! فهم يؤتيه الله من يشاء، والله ذو الفضل العظيم.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015