الحق السابع: الستر.
وهو من أعظم حقوق الأخ على أخيه، فمن حق الأخ على أخيه أن يستر عليه، فالأخ ليس ملكاً مقرباً ولا نبياً مرسلاً، فإن زل الأخ في هفوة فهو بشر، فاستر عليه قال علماؤنا باتفاق: الناس صنفان: صنف اشتهر بين الناس بالصلاح والبعد عن المعاصي، فهذا إن زل ووقع وسقط في هفوة من الهفوات لبشريته؛ وجب على المسلمين أن يستروا عليه؛ لأنه رجل مشهور بالصلاح والدين والأخلاق والعلم والفضل، وهو بشر ليس بملك ولا نبي، ولقد مضى زمن العصمة بموت المعصوم المصطفى صلى الله عليه وسلم، فإن زل أخوك فاستر عليه، ولا تتبع عوراته.
ففي الحديث الصحيح الذي رواه أحمد وأبو داود من حديث أبي برزة أنه صلى الله عليه وسلم قال: (يا معشر من آمن بلسانه ولما يدخل الإيمان قلبه! لا تغتابوا المسلمين، ولا تتبعوا عوراتهم؛ فإنه من تتبع عوراتهم، تتبع الله عورته، ومن تتبع الله عورته، يفضحه في جوف بيته).
اللهم استرنا ولا تفضحنا.
يأتي الأخ يتكلم على أحد إخوانه، وكأنه مبرأٌ من كل ذنب، وكأنه مبرأ من كل عيب، ونسي المسكين أن بيته من الزجاج وهو يقذف الناس بالطوب والحجارة، فكل يتذكر ضعفه ونقصه وعيبه، قال عز وجل: {كَذَلِكَ كُنتُمْ مِنْ قَبْلُ فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْكُمْ فَتَبَيَّنُوا} [النساء:94]، فإن رأيت أخاً من إخوانك من أهل الفضل والصلاح قد زل فاستر عليه، بل يجب عليك ذلك، أما إن كان الرجل -والعياذ بالله! - ممن يبارز الله بالمعاصي وممن يجهر ويتباهى بالمعصية، فهذا هو الفاسق الفاجر الذي لا غيبة له.
في صحيح مسلم من حديث أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (أتدرون ما الغيبة؟ قالوا: الله ورسوله أعلم، قال: أن تذكر أخاك بما يكره.
قال: فإن كان في أخي ما أقول؟ قال المصطفى صلى الله عليه وسلم: إن كان فيه ما تقول فقد اغتبته، وإن لم يكن فيه ما تقول فقد بهته)، والبهتان هو: الظلم العظيم، فهذه هي أخلاق نبينا، وهذه هي سنة نبينا، ومع ذلك كأن بيننا وبين هذه السنة العظيمة بعد المشرقين.
إذاً: إن زل أخوك وجاء ليعتذر إليك فاقبل عذره، ولا تتعنت، فهذه أمراض منتشرة الآن.
فإن زل الأخ في حق أخيه زلة فقد تراه ينسى كل أعمال هذا الأخ المسكين؛ لمجرد أنه زل زلة، ولا يريد أن يتغاضى معه أبداً، مع أن الله سبحانه يعاملنا يوم القيامة بالحسنات والسيئات، فمن رجحت حسناته على سيئاته نجا، فالله يعامل العباد يوم القيامة بالحسنات والسيئات، ونحن لا نريد أن نعامل إخواننا بهذا! قد نرى الأخ من إخواننا قد بذل وأعطى فإذا زل زلة هل تقوم فتنسف كل أعماله نسفاً؟ أنا أتكلم الآن عن إخواننا من أهل السنة والجماعة، عن إخواننا الذين معنا على المنهج، عن إخواننا الذين يدينون معنا دين الحق، فأنا لا أقصد أبداً سمك لبن تمر هندي، لا أريدها وحدة تجمع شتاتاً متناقضاً على غير حق واتباع وهدى، كلا! بل أنا أتكلم الآن عن إخوة لنا معنا على الطريق، يدينون لله بدين الحق، ومع ذلك إن زل هذا الأخ زلة نسف جهاده، وأصبح الحال كما قال الشاعر: وعين الرضا عن كل عيب كليلة كما أن عين السخط تبدي المساويا وكفى المرء نبلاً أن تعد معايبه.