الحق الثالث: من حق أخيك عليك -إن لم تستطع أن تنفعه بمالك- أن تكف عنه لسانك، وهذا التورع في القول أضعف الإيمان، فإن ترك الألسنة تُلقي التهم جزافاً دون بينة أو دليل يترك المجال فسيحاً لكل من شاء أن يقول ما شاء في أي وقت شاء، فتصبح الجماعة وتمسي وأعراضها منتهكة، وسمعتها ملوثة، وإذا كل فرد فيها متهم أو مهدد بالاتهام، وهذه حالة من القلق والشك والريبة لا يمكن أن تطاق بحال من الأحوال، فكيف يعيش مسلم في هذه البيئة؟! يخرج وهو متهم أو خائف من أن يتهم؛ لأنه يرى إخوانه يراقبونه ويرصدونه، وهم له على كل كلمة وعلى كل سلوك بالمرصاد! فمن كان كذلك فهو يعيش في حالة قلق واضطراب.
فتورع في القول عن إخوانك، فإن اللسان من أخطر جوارح هذا الجسم، قال الله جل وعلا: {مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ} [ق:18].
وقال الله جل وعلا: {إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ} [النور:19].
وقال الله جل وعلا: {إنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ الْغَافِلاتِ الْمُؤْمِنَاتِ لُعِنُوا فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ * يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ * يَوْمَئِذٍ يُوَفِّيهِمُ اللَّهُ دِينَهُمُ الْحَقَّ وَيَعْلَمُونَ أَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ الْمُبِينُ} [النور:23 - 25].
فتورع عن إخوانك، وأمسك عليك لسانك، وتورع عن العلماء، وتورع عن الخوض في أعراض كواكب الأمة ومصابيح الدجى وأئمة الهدى، تورع عن الخوض في أعراض الشيوخ، وعن الخوض في أعراض الإخوة والأخوات، واتق الله، فوالله! ما من كلمة إلا وهي مسطرة عليك في كتاب عند ربي، لا يضل ربي ولا ينسى.
في الصحيحين من حديث أبي هريرة أنه صلى الله عليه وسلم قال: (من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيراً أو ليصمت).
وفي الصحيحين من حديث أبي موسى: (أنه قال: يا رسول الله! أي المسلمين أفضل؟ قال: من سلم المسلمون من لسانه ويده).
وفي الصحيحين من حديث أبى هريرة -واللفظ للبخاري - أنه صلى الله عليه وسلم قال: (إن العبد ليتكلم بالكلمة من رضوان الله لا يلقي لها بالاً يرفعه الله بها درجات، وإن العبد ليتكلم بالكلمة من سخط الله لا يلقي لها بالاً يهوي بها في جهنم) والعياذ بالله! وفي الحديث الصحيح الذي رواه أبو داود والحاكم وأحمد، وصححه الألباني من حديث ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال:: (الربا اثنان وسبعون باباً: أدناها مثل إتيان الرجل أمه، وإن أربى الربا استطالة الرجل في عِرْضِ أخيه).
فاستطالتك في عرض أخيك أبشع من الربا، بل أربى الربا استطالة الرجل في عرض أخيه.
وأختم هذه الطائفة النبوية الكريمة بهذا الحديث الذي يكاد يخلع القلب، والحديث رواه الطبراني، وقال عنه شيخنا الألباني في السلسلة الصحيحة: حديث صحيح بمجموع طرقه، وهو قوله صلى الله عليه وآله وسلم: (من قال في مؤمن ما ليس فيه أسكنه الله ردغة الخبال، قيل: ما ردغة الخبال؟ قال: عصارة أهل النار، حتى يخرج مما قال وليس بخارج).
ووالله! لو كنا نحمل في قلوبنا ذرة إيمان، ونسمع حديثاً من هذه الأحاديث؛ لألجم الإنسان منا لسانه بألف لجام قبل أن يتكلم بكلمة، ولكنه لا أقول: إنه ضعف إيمان، بل إنا لله وإنا إليه راجعون.