من حقوق الأخوة النصيحة بضوابطها وشروطها

الحق الخامس من حقوق الأخوة: التناصح، فالمؤمنون نصحة، والمنافقون والمجرمون غششة.

في صحيح مسلم من حديث أبي رقية تميم الداري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (الدين النصيحة.

قلنا: لمن يا رسول الله؟ قال: لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم).

لكن أتمنى من الله أن يعي إخواني الضوابط الشرعية للنصيحة.

قال الشافعي: (من نصح أخاه بين الناس فقد شانه، ومن نصح أخاه فيما بينه وبينه فقد ستره وزانه).

فقد يأتي أخ لينصحك فتشم من رائحته الحقد والغل، ولا تشعر أبداً بحب.

وأما الناصح الصادق فهو رقيق القلب مخلص، نقي السريرة؛ يحب لأخيه ما يحب لنفسه، فإن رأى أخاه في عيب أو على معصية أو خطأ دنا منه، وتمنى أن لو ستره بجوارحه لا بملابسه، ثم قال له: حبيبي في الله! هذه نصيحتي لك يكللها الحب والصدق والإخلاص والغيرة، فأنا لا أحب أن يظهر خطؤك للآخرين، وليبين له النصيحة بأدب ورحمة وتواضع؛ أما أن يأتي أخ لينصحك أو أن يرسل إليك رسالة بحجة أنها نصيحة، فترى التوبيخ والتقريع وسوء الأدب، فهذا المسكين يظن نفسه أنه ناصح أمين، وهو خبيث القلب لم ينصح، بل كتب ليؤذي أخاه، أو تكلم ليؤذي أخاه، بل ليتهم أخاه، بل -والله! - إنه قد يسطر بعض التهم دون بينة أو دليل، ويزعم أنه نصح فلاناً من الناس، وهو كذاب؛ فالنصيحة لها آداب، ولها ضوابط، ولها شروط، فلتشعر أخاك وأنت تنصحه بحبك وبتواضعك وبخفضك لجناح الذل له.

قال عز وجل: {مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ} [الفتح:29]، جلس رجل في مجلس عبد الله بن المبارك الإمام المجاهد التقي العابد الورع، فاغتاب أحد المسلمين، فقال له عبد الله بن المبارك: (يا أخي! هل غزوت الروم؟! قال: لا.

قال: هل غزوت فارس؟! قال: لا.

فقال عبد الله بن المبارك: سلم منك الروم، وسلم منك الفرس، ولم يسلم منك أخوك!!) يا لها من مصيبة، ويا له من عار، نجلس ونتفنن ونتحذلق في تصيد أخطاء بعضنا البعض، ويجلس الأخ منتفخاً منتشياً يتكلم عن أخيه وكأنه يتكلم عن مشرك، وكأنه لا يتكلم عن أخ يربط بينه وبينه رباط الإسلام ورباط الحب في الله، بل يتمنى أن لو ذبح أخاه ونشر لحمه بين الناس، فأين الأخوة؟! والله! إن القلب ليتمزق، وهذا الذي أحكي عنه موجود بين الإخوة الذين يعملون على الساحة للإسلام، فما ظنكم بما يحدث بين بقية المسلمين؟! والله! إننا لا نستحق تمكيناً، والله! إننا لا نستحق نصراً، والله! إننا لا نستحق رفعة ولا عزة؛ إن لله سنناً ربانية في الكون، لا تحابي هذه السنن أحداً من الخلق بحال مهما ادعى لنفسه من مقومات المحاباة.

اليهود في العالم كله يشعر بعضهم ببعض، ويأتي أصحاب الأموال من قلب نيويورك ليقيموا المستوطنات لإخوانهم في القدس، ويذهب بعض أثرياء العرب إلى الشرق والغرب لينفق على عاهرة في ليلة ما يزيد على عشرة آلاف دولار! إن لله سنناً ربانية في الكون، لا تحابي هذه السنن أحداً من الخلق بحال، مهما ادعى لنفسه من مقومات المحاباة، قال تعالى: {وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ} [الحج:40].

فمن الحقوق التي يجب علينا أن نعيدها في حياتنا إلى واقع عملي بضوابطها الشرعية: التناصح، فعليك أن تنصح أخاك بأدب وتواضع وحكمة ورحمة! وأشدد عليكم يا طلاب العلم! إذا كانت النصيحة لشيخ من شيوخكم أو لعالم من علمائكم فإياك أن تنسى قدرك، وإياك أن تغض الطرف عن فضل شيخك، فليس هذا من الأدب، ووالله! لا بركة في علمك ولا فيما تعلمت إن كنت ممن يسيء الأدب لمن علمك عن الله وعن رسول الله.

كنت أجلس ذات يوم مع شيخي الفاضل محمد بن حسين بن يعقوب، وكان يرد على سؤال لطالب من طلابنا، وكان السؤال بسوء أدب، وكأن الشيخ ما علَّم هذا السائل شيئاً عن الله ولا عن رسول الله.

فإنه لا يعرف الفضل لأهل الفضل إلا أهل الفضل، فاعرف قدر شيوخك، وعلى كل أن يعرف قدر نفسه.

من حق الدين وحق الأخوة أن تنصح أخاك، لكن بضوابط النصيحة وشروطها، وإن لم تكن عالماً بضوابط النصيحة الشرعية فاسأل عنها، وتعلمها قبل أن تبذل النصيحة لأحد إخوانك؛ حتى لا تريد أن تنصحه فتقع في فضيحته، أسأل الله أن يستر علي وعليكم في الدنيا والآخرة.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015