ومن الأخلاق المهمة: (الستر) فإن الداعية يطَّلع على معاصٍ من المدعو، فينبغي عليه ألا يشهر به، وإنما يكون بحلمه وعلمه ستيراً يستر عليه ما رآه من السوء ولا يشهر به، وهذا الستر يكون من الأمور التي تجذب المدعو، فعندما يرى أن الداعية يستر عليه ولا يشهر به، عند ذلك يستجيب، ويكون له بالغ الأثر.
وقد وردت قصة عن يزيد بن الأصم، قال: كان رجلاً من أهل الشام ذا بأس، وكان يفد إلى عمر بن الخطاب، ففقده عمر، فقال: [ما فعل فلان؟ فقالوا: يا أمير المؤمنين! يتابع في هذا الشراب- وقع المسكين في بلية شرب الخمر- قال: فدعا عمر كاتبه، وقال: اكتب: من عمر بن الخطاب إلى فلان بن فلان: سلامٌ عليك، فإني أحمد إليك الله الذي لا إله إلا هو {غَافِرِ الذَّنْبِ وَقَابِلِ التَّوْبِ شَدِيدِ الْعِقَابِ ذِي الطَّوْلِ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ إِلَيْهِ الْمَصِيرُ} [غافر:3] ثم قال لأصحابه: ادعوا لأخيكم أن يقبل بقلبه، وأن يتوب الله عليه، فلما بلغ الرجل كتاب عمر جعل يقرأه ويردده، ويقول: غافر الذنب، وقابل التوب، شديد العقاب، قد حذرني عقوبته -يعني: حذرني الله عقوبته- ووعدني أن يغفر لي] رواه ابن أبي حاتم بإسنادٍ فيه مقبول، ورواه أبو معين من حديث جعفر بن برقان وزاد: [فلم يزل يرددها الرجل على نفسه ثم بكى، ثم نزع فأحسن النزع فلما بلغ عمر خبره، قال: هكذا فاصنعوا، إذا رأيتم أخاكم زل زلة فسددوه ووثقوه، وادعوا الله له أن يتوب عليه، ولا تكونوا أعواناً للشيطان عليه].