وأخيراً: فإن من مكايد الشيطان ومصايده ما فتن به عشاق الصور، والمقصود بالصور هي أشكال بني آدم، أجسادهم وأشكالهم ومناظرهم، والذين يعشقون الصور -أي: صور البشر وأشكالهم ومناظرهم وأجسادهم- هذا كيد عظيم من كيد إبليس فيه استعباد النفوس لغير الله، وتمليك القلوب لمن يسومها سوء العذاب، العاشق المتيم بمن عشقه، معذب القلب قد سلم قلبه إلى معشوقه يسومه سوء العذاب، ويسعى في رضا المعشوق والمحبوب وإن عارض رضا الله، ويتحرك عند سماع صوت محبوبه ما لا يتحرك عند سماع العلم وشواهد الإيمان ولا عند تلاوة القرآن، حتى إذا ذكر معشوقه اهتز وربا وتحرك باطنه وظاهره شوقاً إليه وطرباً.
وهؤلاء يقول الله في شأنهم من ضمن الذين يدخلون في قوله تعالى: {إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُوا مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا وَرَأَوُا الْعَذَابَ وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الْأَسْبَابُ} [البقرة:166] أين هؤلاء العشاق الذين عشقوا الصور ومالوا بعواطفهم ميلاً شديداً وانغلقوا على هذه الأشكال وأقاموا هذه العلاقات المحرمة؟ أين هم من قوله صلى الله عليه وسلم في دلائل الإيمان: (أن يحب المرء لا يحبه إلا الله)؟ ومن كيد الشيطان وتلبيس الشيطان أنه يوهم هذا المتعلق بصاحبه أنه يحبه لله، وربما قال له: إنك تشاركه في الطاعات، وربما حمله أن يحضر معه بعض مجالس العلم، ويحفظ بعض آيات القرآن أو الأحاديث وهكذا، حتى يلبس عليه أن العلاقة علاقة شرعية، وحفظ قرآن وحضور مجالس علم ودعوة إلى الله مثلاً.
وقد ذكر ابن القيم في كتابه العظيم الجواب الكافي، وكتابه العظيم إغاثة اللهفان من مصائد الشيطان في علاج العشق والتعلق بالمحبوب أموراً عظيمة ينبغي الرجوع إليها، ونذكر بعضاً منها فإن هذا الدرس ليس موضع استقصاء علاج عشق أو علاج المحبة مع الله، وإن كانت هذه المسألة قد تفشت بحيث صار لا بد أن توضح لها العلاجات حتى لا يقع بعض الناس فيها، قال ابن القيم رحمه الله: ووصل الأمر ببعضهم أن يؤاخي امرأة أجنبية في الله، كان مما ذكره أن وصل الأمر السوء بتلبيس إبليس أن يؤاخي امرأة أجنبية في الله لهذا الغرض، وقد حدث وربما يتصل بها ويقول: أنا أناقش معك مسائل فقهية وأنصحك وتنصحيني وهذا موجود ووصل إلينا وسمعنا أطرافاً منه عن أناس يتصلون بنساء أجنبيات يقولون: هذه محبة في الله وإني أحبك في الله، كيف يقول رجل أجنبي لامرأة أجنبية: إني أحبك في الله؟! أم كيف تقول له هي هذا الكلام؟! هو رجل شاب وهي امرأة شابة، أليس هذا من تلبيس إبليس ومن مداخله؟! قال ابن القيم رحمه الله: وبعضهم جعل الاتصال بالمردان من عبادة الله، وأنها قربة وطاعة، بل زعموا أيضاً أنها تزكي النفس وتخلصها من الشوائب، وجعل التلذذ بهم عبادة، وقد يقولون: تزوج فلان بفلان يستهزئون بآيات الله ودينه، قال ابن القيم: وقد آل الأمر بكثير من هؤلاء إلى ترجيح وطء الولدان على نكاح النسوان، وقالوا: هو أسلم من الحبل والولادة ومؤنة النكاح والشكوى إلى القاضي وفرض النفقة.
سبحان الله العظيم! انظر إلى أي درجة يمكن أن يستجري الشيطان ابن آدم عندما يوهمه فعلاً بهذه القضية، فيوقعه في الفواحش ويظن هذا أنه الآن يتقرب إلى الله، سبحان الله العظيم! لا شك أن من هؤلاء ضلال، إذ كيف تروج هذه البضاعة الشيطانية على هؤلاء، إن في المسألة هوى، وما راجت بضاعة الشيطان إلا وفيها هوى واضح، وماذا تفعل بمن زين له سوء عمله فرآه حسناً، فقد تلاعب الشيطان بأكثر هذا الخلق كتلاعب الصبيان بالكرة، وأخرج الكفر والفسوق والعصيان في كل قالب من قوالب الخير والبر والأعمال الصالحة.