وسوسة في الطهارة

هذا في الوسوسة في الطهارة، أما ما يفعله الشيطان بالموسوسين بعد البول فحدث ولا حرج، قال ابن القيم رحمه الله تعالى: يفعلون عشرة أشياء: السلت والنتر والنحنحة والمشي والقفز والحبل والتفقد والوجور والحشو والعصابة والدرجة.

أما السلت فهو عصر الذكر ليخرج منه البول، يقول لا بد أن نفعل هذا الإجراء حتى نتأكد أنه ليس هناك نجاسة، والنتر وهو نفضه ليخرج ما بداخله بزعمهم بعد الاستنجاء هذا إجراء ثانٍ، والنحنحة: بأن يتنحنح لإخراج الفضلة الباقية بزعمهم، والقفز: أن يرتفع على الأرض ويهبط عليها لكي يفرغ ما كان عالقاً، والحبل يتخذه بعض الموسوسين فيتعلق به حتى يكاد يرتفع ثم يتخرط فيه ويقع على هذا لكي ينزل ما بقي، والتفقد: هو النظر في المخرج هل بقي فيه شيء أم لا، والوجور: هو فتح الثقب وصب الماء فيه، والحشو: إدخال قطن ونحوه، والعصابة: أن يعصب المخرج بخرقة لئلا يخرج منه شيء، والدرجة: أن يصعد في السلم قليلاً ثم ينزل بسرعة، أو يمشي خطوات ثم يعيد الاستنجاء.

قال ابن تيمية رحمه الله: وذلك كله وسواس وبدعة، فتبين بذلك أن ما يقضيه البعض من الأوقات الطويلة جداً داخل المراحيض يضيعون بها تكبيرة الإحرام والصلاة، هو من الأمور المحرمة ومن كيد إبليس وتلبيسه، ويكفي الإنسان بعد انتهائه من قضاء حاجته أن يستنجي ويغسل بالماء ويرش ما أمام المخرج من الثوب بالماء حتى يقطع على الشيطان طريق الوسوسة، وإذا كان صاحب سلس ويعرف نفسه صاحب سلس، إذا انتهى من قضاء الحاجة يغسل ويرش بالماء، وإذا وضع أمام المخرج لئلا تنتشر النجاسة في الثوب كمنديل بشكل عادي يشده عليه بلباسه العادي، ثم بعد ذلك يتوضأ ويصلي ولا يبالي بعد ذلك بما خرج منه لا بعد الاستنجاء ولا أثناء الوضوء، ولا بعده ولا قبل الصلاة ولا أثناء الصلاة وصلاته صحيحة، والحمد لله، لا يكلف الله نفساً إلا وسعها.

ولا فرض الله على الخلق أن يقضوا ساعات في دورات المياه لكي يتأكدوا أنه ما بقي قطرة، وهذا السلس هو داء منتشر عند كثير من الناس، وهذه عيادات المسالك البولية تشهد بذلك، وإذا لم يكن هناك في الدين مثل هذه الرخصة المباحة الشرعية لهلك الناس: (بعثت بالحنيفية السمحة).

وهؤلاء الموسوسون لا يرضون بأمور كثيرة مما كان صلى الله عليه وسلم يفعله، فقد كان عليه الصلاة والسلام وأصحابه يخوضون في الطين والوحل وماء المطر وهم يأتون إلى المساجد، ويأتون المسجد ولا يغسلون أرجلهم، وهذه فتاوى الصحابة فيمن وطئ العذرة بقدمه إن كانت يابسة فليست بشيء، وإن كانت رطبة غسل ما أصابه، لا انتقض الوضوء ولا شيء من ذلك، بل يغسل ما أصاب جلده من النجاسة فقط، إذا كانت رطبة، وهذا الخف والحذاء يدلك في الأرض ثم يصلى فيه سنة ثابتة كما قال صلى الله عليه وسلم (إذا جاء أحدكم المسجد فليقلب نعليه ثم لينظر فإن رأى خبثاً فليمسحه بالأرض ثم ليصل فيهما) والموسوسون أكثرهم لا يرضون بالصلاة في النعال إذا كان الوضع مناسباً وكان المسجد مفروشاً بالحصى والرمل، ونحو ذلك.

وذيل المرأة، قالت امرأة لـ أم سلمة: (إني أطيل ذيلي وأمشي في المكان القذر، فقالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يطهره ما بعده) هي تسحب على الأرض، لو سحبت على نجاسة يطهره ما بعده، وقد رخص للمرأة أن تطيل حجابها ذراعاً وراءها حتى إذا هبت الريح لا تنكشف عورتها وأكثر من ذلك يعتبر إسبالاً في حق النساء، وكان صلى الله عليه وسلم يصلي في مرابض الغنم، ونهى عن الصلاة في أعطان الإبل، فأين هذا ممن لا يصلي إلا على سجادة، تفرش فوق البساط أو فوق الحصير، وربما وضع عليها منديلاً ولا يمشي على البساط مكان المصلى إلا نقراً كالعصفور إذا اضطر، ووضع السجادة على السجادة الطاهرة من البدع والوسوسة.

وبعض الناس هذه عادتهم إذا دخل مكاناً مع أن البساط نظيف طاهر لا يعلم أن عليه نجاسة لا بد أن ياتي بمفرش الصلاة ليصلي، لماذا؟ وقد قال عليه الصلاة والسلام: (جعلت لي الأرض مسجداً وطهورا فأي رجل من أمتي أدركته الصلاة فليصل) فإذاً وضع السجاجيد على السجاجيد نص أهل العلم ومنهم شيخ الإسلام ابن تيمية أنها من البدع، إذا كانت السجادة نظيفة وطاهرة، فلا يوضع عليها شيء ويصلي.

وبعضهم يقول: لا بد أن نضع للإمام سجادة خاصة لماذا؟! إن مثله مثل المسلمين، يصلي على بساط المسجد مثله مثل المسلمين، فلماذا توضع له سجادة منفصلة، وكان صلى الله عليه وسلم يصلي وهو يحمل أمامة بيده، فإذا ركع وضعها وإذا قام حملها، وإذا قال قائل: كيف يصح هذا وفيها نجاسة قد تكون في هذه الحفاظة نجاسة، نقول: قد فعله من هو خير منك محمد صلى الله عليه وسلم فإذا رفع وضعها وإذا قام حملها، وكان يصلي في الليل وكان بجانبه عائشة وهي حائض، وربما لامس جسده جسدها.

وكان الصحابة يتوضئون من الحياض والأواني المكشوفة، لا يسألون هل أصابتها نجاسة أم لا، [مر عمر يوماً مع صاحب معه تحت ميزاب فسقط عليهما شيء من الميزاب، فقال صاحب عمر: يا صاحب الميزاب! ماؤك طاهر أو نجس، فقال عمر: يا صاحب الميزاب! لا تخبرنا، ثم مضى].

وكان صلى الله عليه وسلم يصغي الإناء للهرة حتى تشرب ويشرب هو منه صلى الله عليه وسلم ويتوضأ منه، وقال: (إنها من الطوافين عليكم والطوافات)، يقول ابن القيم رحمه الله: والمراضع -المرأة التي ترضع- المراضع لا زلن من عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وإلى الآن يصلين في ثيابهن والرضعاء يتقيئون ويسيل لعابهم على ثياب المرضعة وبدنها، ولا تغسل شيئاً من ذلك -هذا على عهد الرسول صلى الله عليه وسلم- ما يخرج من الطفل طاهر من القيء لصعوبة وتعذر التحرز من قيء الولد على المرضعة وهي ترضعه وتحمله وتضعه باستمرار.

ونص الإمام أحمد رحمه الله على أن حبل الغسال إذا نشر عليه ثوب نجس ربما جففته الشمس، أي: جففت حبل الغسال، ثم نشر عليه ثوب طاهر رطب، قال: لا بأس به، وكان صلى الله عليه وسلم يشرب من موضع فيّ عائشة ويتعرق العرقة فيضع فاه على موضع فيها وهي حائض ويأكل وراءها صلى الله عليه وسلم.

والوسوسة أشكالها كثيرة جداً مثل الوسوسة في مخارج الحروف والتنطع فيها قال ابن الجوزي: ولقد رأيت من يخرج بصاقه عند إخراج الضاد لقوة تشديده، والوسوسة في الطلاق فإنه يقول: طلقت أو ما طلقت، إذا فكر في الطلاق يوسوس ربما حتى في النهاية تلفظ بالطلاق.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015