أنواع المدينين

والمدينون ثلاثة أنواع: أولاً: أن يستدين وهو يعلم من حاله ودخله أنه سيوفي.

ثانياً: منهم من يستدين وهو يعلم من حاله ودخله أنه يستحيل عليه أن يوفي.

ثالثاً: منهم من يستدين وهو لا يدري هل يستطيع الوفاء أم لا.

وأشدهم الأوسط الذي يستدين وهو يعلم من حاله ودخله أنه لا يمكنه الوفاء.

والدين دينان كما قال النبي عليه الصلاة والسلام: (الدين دينان: فمن مات وهو ينوي قضاءه فأنا وليه، ومن مات وهو لا ينوي قضاءه فذاك الذي يؤخذ من حسناته ليس يومئذٍ دينارٌ ولا درهم)، وقال صلى الله عليه وسلم: (من مات وعليه دين فليس ثَمَّ دينار ولا درهم ولكنها الحسنات والسيئات).

إذاً: من الناس من يستلف وهو ينوي الأداء، ومن الناس من يستلف وهو ينوي عدم الأداء، وهذه من المصائب الموجودة في الناس، وهي من أسباب العداوات، قال عليه الصلاة والسلام: (ما من أحدٍ يدّان ديناً يعلم الله منه أنه يريد قضاءه إلا أداه الله عنه في الدنيا) ما من عبدٍ كانت له نية في أداء دينه إلا كان له من الله عون.

من أخذ ديناً وهو يريد أن يؤديه أعانه الله، خصوصاً إذا احتاج إلى الاستلاف لكي يتزوج لإعفاف نفسه، لأنه يخشى على نفسه الوقوع في الحرام، أو اضطر إلى الاستدانة لإطعام أولاده وهو ينوي الأداء خالصاً لله وفياً لصاحبه، فالله يعينه ويكون معه: (إن الله تعالى مع الدائن حتى يقضي دينه ما لم يكن دينه فيما يكره الله).

هؤلاء الذين يتوسعون ويشترون بالأقساط، كثيرٌ من الذين يشترون بالأقساط في الحقيقة يجرون وراء الدنيا ليسوا بمحتاجين، وهذه الشركات التي فتحت أبوابها لإغراء الناس بالشراء بالأقساط -أيضاً- تتحمل جزءاً في ذلك، وقال النبي عليه الصلاة والسلام مبيناً خطورة الذي يستدين وهو لا يريد الوفاء: (أيما رجل تدين ديناً وهو مجمع -أي: عازم- ألا يوفيه إياه لقي الله سارقاً) وقال النبي عليه الصلاة والسلام: (من أخذ أموال الناس يريد أداءها أدى الله عنه، ومن أخذها يريد إتلافها أتلفه الله) فهذا الذي يؤخذ من حسناته يوم القيامة وترمى عليه السيئات، هذا إنسان متساهل في الدين، يستدين بدون حاجة فيما يكره الله، هذا الذي لا يعينه الله، بل إنه يكون عليه وبالاً يوم القيامة، فالمسألة مسألة نية، ومن علاج الاندفاع للدين أمور: منها: القناعة، فإنه لو قنع بحاله فرزقه الله القناعة بعيشه لم يتطلب أكثر، لكن الناس لا يقنعون، القناعة كنزٌ مفقود.

وثانياً: الزهد في الدنيا، فإنه لو علم أنها لا تساوي عند الله جناح بعوضة، وأن (الدنيا ملعونة ملعون ما فيها إلا ذكر الله وما والاه) ملعونة لا تساوي عند الله جناح بعوضة، حقيرة زائلة فانية، ما ركض وراء متاعها وركب الديون على ظهره.

وقد تكون الاستدانة لضرورة مثل علاج لا يملك قيمته، أو صاحب زواج يخشى على نفسه الحرام، لكن يشترط أن ينوي الوفاء عند الاستدانة، وأن يبحث بكل الوسائل من تجارات طيبة، واستثمارات، وأعمال إضافية حلال؛ ليخلص نفسه من رق الدين.

ألم تعلم -يا عبد الله- أن النبي عليه الصلاة والسلام قال: (إن قتلت في سبيل الله صابراً محتسباً مقبلاً غير مدبر كفر الله عنك خطاياك إلا الدين، كذلك قال لي جبريل آنفاً) وقال عليه الصلاة والسلام: (أول ما يهراق من دم الشهيد يغفر له ذنبه كله إلا الدين) حديث صحيح.

(من فارق الروح جسده وهو بريء من ثلاث دخل الجنة الكبر، والدين، والغلول) والغلول: السرقة من الغنيمة، وقال النبي عليه الصلاة والسلام: (سبحان الله ما أنزل من التشديد في الدين! والذي نفسي بيده لو أن رجلاً قتل في سبيل الله ثم أحيي، ثم قتل ثم أحيي، ثم قتل وعليه دين ما دخل الجنة حتى يقضى عنه دينه) حديث حسن.

وقال صلى الله عليه وسلم: (نفس المؤمن معلقة بدينه حتى يقضى عنه).

مات في عهد النبي عليه الصلاة والسلام رجل، قال جابر: (فغسلناه وكفناه وحنطناه ووضعناه لرسول الله صلى الله عليه وسلم حيث توضع الجنائز عند مقام جبريل، ثم آذنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بالصلاة عليه، فجاء معنا فتخطى خطاً ثم قال: لعل على صاحبكم ديناً؟ قالوا: نعم ديناران، فتخلف وقال: صلوا على صاحبكم، فقال له رجل منا يقال له أبو قتادة: يا رسول الله! صل عليه وعلي دينه، فصلى عليه النبي صلى الله عليه وسلم، ثم لقيه عليه السلام من الغد -لقي أبا قتادة - فقال: ما صنعت الديناران؟ قال: يا رسول الله! إنما مات أمس، ثم لقيه من الغد، فقال ما فعل الديناران؟ قال: قد قضيتها يا رسول الله! قال: الآن حين بردت عليه جلده، أو الآن حين بردت عليه جلدته) لما قضي عليه الدين بردت عليه جلدته وهو في القبر.

وأخبر رجلٌ رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أخاه مات وترك ثلاثمائة درهماً، وترك عيالاً، قال: فأردت أن أنفقها على عياله، فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن أخاك محبوس بدينه فاقض عنه) النبي صلى الله عليه وسلم رفض أن يصلي على من كان له دين لم يقضه، وهذا محمول على الذي استلف وهو متهاون لا يريد القضاء، أما من استلف وهو يريد القضاء ثم مات فالله يعينه، ويتكفل الله له بحسن نيته بأن يقضي عنه في الدنيا، ويبرئ ذمته بمحسنين أو بورثةٍ، أو أنه يعطي الدائن حسنات يوم القيامة نظراً لحسن نية المدين الذي استدان اضطراراً وهو يريد الوفاء، قال عليه الصلاة والسلام: (هاهنا أحدٌ من بني فلان؟ إن صاحبكم مأسورٌ بدينه عن الجنة، فإن شئتم فافدوه وإن شئتم فأسلموه إلى عذاب الله) هذه النصيحة للورثة؛ إذا علموا أن على ميتهم ديناً أن يسارعوا إلى قضائه، الحقوق في الشريعة مكفولة، والله لا يضيع حقاً لعبد حتى الكفار غير المحاربين، الكفار حقوقهم باقية، ويجب أداء الديون لهم، ويجب إعطاء الناس حقهم.

اللهم إنا نسألك القناعة، اللهم إنا نسألك القناعة، اللهم قنعنا بما رزقتنا، اللهم اقض عنا ديوننا.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015