الحمد لله رب العالمين.
عباد الله: إن هذا البلاء الاجتماعي الذي أصبنا به وهو التوسع في الدنيا ولو بالديون أمرٌ خطير، إن من الناس من يجعل له أرصدة في الداخل أو في الخارج ثم يقترض بالربا ليتاجر ويقول: أخاطر بمال غيري ثم أدعي أنه ليس عندي شيء، وحتى النساء سمعنا فيما سمعنا أنه قد صار عندهن شراء الذهب بالدين والأقساط، شراء الذهب بالأقساط حرام لأنه فيه ربا، شراء الذهب يجب أن يكون يداً بيد، تسلم النقود وتشتري الذهب في نفس المجلس في الدكان أو المحل، ولا يجوز لك أن تستلم الذهب وتؤخر القضاء والسداد، والآن لطمعهن في الدنيا وقلة عقول الرجال معهن صار شراء الذهب بالأقساط من أجل التفاخر والتكاثر: {أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ} [التكاثر:1].
والدين -يا عباد الله- منه ما هو دينٌ لله مثل الكفارات والنذور، وقضاء الصوم والزكاة، والحج من أعظم الديون التي في رقبة العبد لربه.
روى البخاري عن ابن عباس رضي الله عنهما: أن امرأة من جهينة جاءت إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: (إن أمي نذرت أن تحج فلم تحج حتى ماتت أفأحج عنها؟ قال: نعم.
حجي عنها، أرأيت لو كان على أمك ديناً أكنت قاضيته؟ اقضوا الله فالله أحق بالوفاء).
إذا كان على الإنسان دين يستغرق ما عنده من المال -وقد طرحنا الموضوع لقربه من الحج، وسؤال بعض الناس عن مسألة الحج والديون- إذا كان على الإنسان دين يستغرق ما عنده من المال، فإنه لا يجب عليه الحج؛ لأنه في هذه الحالة ليس من أهل الاستطاعة ولا داخلاً في قول الله: {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً} [آل عمران:97] فعليه أن يوفي الدين أولاً.
وأما إذا كان الدين أقل مما عنده بحيث يتوفر عنده ما يحج به من بعد أداء الدين، فإنه يقضي الدين ويحج وجوباً حج الفريضة، وإذا كان مطالباً من أصحاب الدين فلا يجب عليه الحج إذا لم يكن عنده وفاء وهو مطالب، ولا يحج إلا بعد الوفاء ما لم يطالبوه، فإذا علم منهم التسامح وأذنوا له وقالوا: قد أجلناك، فإنه يجوز له الحج، وربما يكون الحج سبباً في قضاء دينه، ولا يلزمه الاستدانة ولو وجد من يسلفه، الذي ليس لديه مال لا يلزمه شرعاً أن يستدين للحج ولو وجد من يسلفه، ولو حج بمال غيره بأن أهداه له، أو تبرع له به، أو حج على نفقته، فحجه صحيح ولو كان حج فريضة.
والذين عليهم أقساط سيارات أو بيوت أخذوا قروضاً من صندوق التنمية ونحو ذلك، إذا كانوا منتظمين في التسديد، فإنه لا حرج عليهم في الحج، وكذلك إذا كانوا يملكون من المستحقات ما يكفي لتسديد ديونهم لو حصل لهم شيء من أمر الله فمات الشخص وعنده من التقاعد أو مكافأة نهاية الخدمة ونحو ذلك ما يسدد به، يكتب في الوصية ويذهب إلى الحج.
ومن حج بمالٍ اقترضه فحجه صحيح، لكن الأفضل والأولى ألا يفعل ذلك؛ لأن الله إنما أوجب الحج على من استطاع إليه سبيلاً، ولا يصلح أن تشغل ذمتك وتستدين، والله لم يوجب عليك أن تستدين، إذا كان الدين غير محدد القضاء لوقت معين، بل على التيسير، وأصحاب الدين متسامحون فلا بأس أن يذهب إلى الحج، وإذا طالبوا وشددوا وقالوا: هات المال، فيعطيهم المال ويخفف عن نفسه.
وبعض الناس -يا عباد الله- يعتقد أن الإنسان إذا كان عليه صيامٌ فإن حجه غير صحيح، وهذا غير صحيح، وبعضهم يعتقد أنه إذا لم تذبح عقيقة الشخص فلا حج له، وهذا غير صحيح -أيضاً- وهو من المعتقدات الخاطئة؛ لأن العامة عندهم معتقدات فقهية خاطئة، فالذي لم يعق عنه فحجه صحيح.
وأذكركم وأذكر نفسي في ختام هذه الخطبة، بأن الله سبحانه قد جعل للدين آداباً للمدين والدائن في الإقراض والاستقراض والأداء لا يمكن ذكرها الآن لقصر الوقت.
أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم.