Q يا شيخ! إني أحبك في الله، وأرجو يا شيخ أن تحث شباب الصحوة على الدعوة في هذه المنطقة بالذات؛ لأنهم يهتمون بأنفسهم فقط دون غيرهم من الشباب الغافلين عن ذكر الله، من حيث النصيحة ونشر الشريط الإسلامي وغيرهما من أساليب الدعوة! جزاكم الله خيراً.
صلى الله عليه وسلم جزاك الله خيراً، وأسأل الله أن يكتب لك الأجر، ويعلمُ الله كم سُرِرْتُ حينما لقيتكم، ويعلم الله شوقي إلى لقائكم.
وأسأل الله أن يكثر الخير فينا وفيكم، وأن يجعلنا وإياكم من عباده الصالحين وأوليائه المتقين، وأن يكثر فينا وفيكم الصالحات والصالحين.
إخواني في الله: أفضل الأعمال وأحبُّها إلى الله: كلمةٌ تَهدي القلوب إلى الله كلمةٌ تدل بها على السبيل كلمةٌ تكون بها دليلاً ونعم الدليل! يوم تَهدي إلى الله العظيم الجليل.
ولقد شهد الله في كتابه أنَّ أحبَّ الكلام إليه من أوليائه كلامٌ هَدَى إليه سبحانه وتعالى: {وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحاً وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ} [فصلت:33] فـ (مَنْ): بمعنى: لا، أي: ولا أحسن قولاً ممن دعا إلى الله جل جلاله! فأطيب الكلام بعد كلام الله وكلام رسوله صلى الله عليه وسلم: كلام يهدي إلى الله جل جلاله.
تكلم فلعل كلمة تُذَكِّر غافلاً! تكلم فلعل كلمة تنبِّه وتوقظ نائماً! تكلم بالكلام الطيب ولو لم يكن لك شرف إلا أن تكون من خلفاء النبي صلى الله عليه وسلم، فإن نبوَّتَه وَرِثَها العلماء والصلحاء في كل زمان ومكان، فكُنْ من أولئك المشاعل للنور والهداية.
أيها الأحبة في الله: أولُ ما ينبغي على الداعية: أن يكون قدوة في نفسه.
فحاول قدر استطاعتك أن لا تسمع بأمر من أوامر الله إلا فعلته، وألا تسمع بنهي من نواهي الله إلا اجتنبته وتركته.
وأن تكون فيك الأخلاق والآداب الإسلامية التي تدل على أنك مسلم حقاً ومؤمن صدقاً، فإذا أصبحتَ بهذه المثابة، فوالله إنك لداعٍ ولو لم تتكلم بلسانك.
قال جعفر الصادق لأصحابه -ذلك الإمام من أئمة أتباع التابعين- قال لهم: [ادعوا وأنتم صامتون، قالوا: رحمك الله! كيف ندعو ونحن صامتون؟! قال: ادعوا الناس بأخلاقكم وآدابكم قبل أن تتكلموا بألسنتكم].
فالآداب والأخلاق والشمائل الحميدة لا يزال الشاب الصالح الوضيء المشرق وجهه من طاعة الله يدعو بها ولو لم يشعر.
فالوصية الأولى: الأخلاق: أن تلتزم بآداب الإسلام، وتكون نفسك تواقة إلى معالي الأمور، فتسعى وتسمو إلى حب الله ورسوله صلى الله عليه وسلم، وتبيع نفسك في مرضاة الله، فتجلس في المجالس، وتشتغل بذكر الله، وإذا سمعت أحداً يغتاب آخر تقول له: يا أخي! اتقِ الله! وإذا سمعت أحداً ينقل نميمة تقول له: يا أخي! اتقِ الله! وإذا سمعت أحداً يتكلم فيما لا يعنيه تقول له: يا أخي! اتقِ الله! فلا تزال الكلمة تخرج منك تلو الكلمة، وتخط لك الأجور التي لا يعلمها إلا الله جل جلاله.
ولقد أخبرنا النبي صلى الله عليه وسلم: (أن العبد ليتكلم بالكلمة من رضوان الله، ما يلقي لها بالاً يكتب الله له به رضاه إلى يوم يلقاه) فتَمُرُّ على رجل شاربٍ للدخان فتأتيه بالنصيحة الثمينة وتقول له: يا أخي! أي نفس تعذبها؟! وأي روح في مهدها تقتلها؟! أما تتقي الله في نفسك؟! يا أخي! اتقِ الله في هذا المال الذي أعطاك الله إياه، وحرمه الفقير غيرك! أما تتقي الله أن تسعى في هلاك نفسك؟! فقولك: (أما تتقي الله) وأنت لا تبالي بهذه الكلمة يَكْتُبُ الله لك بها رضاً لا سخط بعده إلى يوم القيامة: (إن العبد ليتكلم بالكلمة من رضوان الله ... ).
وقد تجلس في البيت فترى المنكر، فتنصح النصيحة، وتخرج منك غيرة على دين الله وحدوده ومحارمه فيكتب الله لك بهذه الغيرة رضاً لا سخط بعده أبداً.
فمَن بذل نفسه للدعوة إلى الله، واشترى رحمات الله بالكلام الصالح والتذكير بالله فأنْعِم به مِن رجل! وأنْعِم به مِن داعية ومِن متكلم! وما الذي يأخذه الناس من المجالس غير كلمة تقرب القلوب إلى الله؟! وما الذي نأخذه من الدنيا غير طاعة الله جل جلاله؟! {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ * مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ * إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ} [الذاريات:56 - 58].
سبحانه! لا إله إلا هو! فالله لا يريد منا شيئاً إلا العمل الصالح، والذي بيننا وبين الله هو: العمل الصالح، وأفضل الأعمال وأحبها: الدعوة إلى الله.
والوصية الأخيرة: لن يكون هناك شاب تائهٌ ضائع تعرفه وتقصر في دعوته، إلا كان لك خصماً بين يدي الله جل جلاله:- فإذا مررتَ على جارك وعرفتَ أنه لا يصلي، فسكتَّ عنه، أتى يوم القيامة يتعلَّق بك وهو يقول: يا رب! سَلْ جاري، فإنه ما دعاني إلى الصلاة يوماً من الأيام! فإذا رأيت جارك على منكر أو معصية فقلت: ما لي وله، وما لي وللناس؟ فهذه كلمة يسيرة؛ لكنها عند الله عظيمة، فإذا وقفتَ بين يدي الله، علمتَ هل هذا من شأنك أو ليس من شأنك! كذلك تذكير الغافلين، فالناس فيهم خير، خاصةً في هذه البيئات المسلمة، الناس على الفطرة، واللهِ إن فيهم خيراً مهما عملوا من سيئات وذنوب، واللهِ إن العبد تجده على أشد ما يكون من معصية لله جل جلاله، وما إن تقرعه بآية من كتاب الله إلا ويطأطئ رأسه ذليلاً ويقول: جزاك الله خيراً.
فهذا نعمةٌ وخيرٌ في الأمة المسلمة؛ لكن الإنسان إذا كان شاباً وبه طيش وغرور يحتاج منك إلى يد حانية، ونصيحة غالية، ثم إذا نصحتَ إياك أن تكون حجرة عثرةٍ عن سبيل الله وصراط الله، بل انصح بالتي هي أحسن، انصح باللين والرفق، وأشْعِر الذي تنصحه، كأنك يدٌ تريد أن تنتشل غريقاً، ولستَ بصاحب تشهير ولا أذيةٍ ولا تعيير؛ ولكن صاحب بِرٍّ ودعوةٍ وإحسانٍ وصلاح.
نسأل الله العظيم أن يجعلنا وإياكم هداة مهتدين غير ضالين ولا مضلين.
والله تعالى أعلم.