Q ما هي أسباب زيادة الإيمان ونقصان الإيمان؟
صلى الله عليه وسلم مذهب أهل السنة والجماعة: أن الإيمان قول وعمل، يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية، فإذا كان الإنسان من الله قريباً محافظاً على حدوده ومحارمه، ازداد إيمانه وقوي في الله يقينه.
وأما إن كان بعيداً عن الله مضيعاً لحقوق الله منتهكاً لمحارم الله ضعف إيمانه -نسأل الله السلامة والعافية-، ومن ثم ثبت في الحديث الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن، ولا يشرب الخمر حين يشربها وهو مؤمن) قال بعض العلماء: لأنه لا يفعل ذلك إلا وقد انتقص الإيمان من قلبه -والعياذ بالله-، فإذا أردت أن يزداد الإيمان في قلبك فلا طريق أمثل من تلاوة كتاب الله وتدبره، ولذلك أخبر الله عز وجل في كتابه: أن القرآن يزيد الذين آمنوا إيماناً ويزيد الذين اهتدوا هدىً وصلاحاً، فإذا أحببت أن يزيد الله في إيمانك فاتل كتاب الله مع التفكر والتدبر.
أما الأمر الثاني: فهو فعل فرائض الله وترك محارم الله، تحرص كل الحرص إذا جاءك أمر عن الله أن تفعله، فإذا كنت من أسبق الناس وأحرص الناس على فرائض الله، ازداد إيمانك، وجرب من الليلة كلما دعيت إلى خصلة من خصال الخير كنت من أسبق الناس إليها وإذا بك بعد فترة معلق بطاعة الله عز وجل، وبالإيمان شعلة تضيء في قلبك، لا ترتاح إلا للخير، حتى تبلغ المنزلة التي نسأل الله العظيم أن يبلغنا جميعاً إياها، أن تذوق حلاوة الإيمان، فيكون الإيمان أحب إليك من نفسك التي بين جنبيك، ولا تكون إلا بحفظ أوامر الله وترك محارم الله.
من الليلة إذا دعيت إلى أي فريضة، تحرص على أن تكون أسبق الناس إليها، تدعا إلى الصلاة فتبكر إليها، تحافظ على وضوئها وطهارتها وخشوعها وركوعها وخضوعها وأذكارها وسننها وآدابها، بقدر ما تحرص على هذه الأوامر كلما كنت أقرب الناس إلى الإيمان، وأعظمهم حظاً في الإيمان.
وكذلك حقوق الله التي أمرك الله بها في العباد من صلة الأرحام، وأداء حقوق الموظفين والعمال الذين تحت يدك تؤديها على أكمل ما يكون عليه الأداء، إنك إن فعلت ذلك لم تمض فترة إلا والإيمان تخالط بشاشته قلبك، ولذلك ما من إنسان يحافظ على فرائض الله إلا كان أقرب الناس إلى طاعة الله.
الأمر الثاني: أن تكون أعف الناس عن الحرام، وأبعدهم عن معصية الله عز وجل، إذا أردت الإيمان أن يكمل في قلبك، وأن تكون ممن ذاق حلاوته ووجدت أثره في فؤادك فكن أبعد الناس عن الحرام.
إياك أن ينظر الله إليك يوماً من الأيام وقد نظرت ومتعت النظر في حد من حدوده أو عورة من العورات التي لا يجوز لك النظر إليها.
إياك إياك أن ينظر الله إليك يوماً من الأيام وقد أصغيت بسمعك إلى أمر لا يأذن الله لك أن تصغي إليه.
إياك أن ينظر الله إليك يوماً من الأيام وقد خبطت قدمك على الأرض إلى حد من حدوده أو حرمة من محارمه.
إياك أن ينظر الله إليك يوماً من الأيام وقد امتدت يدك بمال لا يحل لك تمدها به، أو قبضتها على مال لا يحل لك أن تقبضها عليه.
إياك إذا أردت حلاوة الإيمان تكون على عفة عن الآثام والحرام، فما أطفأ الإيمان شيء مثل المعصية، ولا أظلم الإيمان في القلوب مثل المعصية، ولا تزال المعصية تلو المعصية حتى يستدرج العبد فيسلب الإيمان كله -والعياذ بالله-.
لذلك كان السلف يخافون من المعصية، ونبه النبي صلى الله عليه وسلم إلى ذلك فقال: (إياكم -أي احذروا، وهذا أسلوب عند العرب يعتبرونه أسلوب التحذير- ومحقرات الذنوب) ذنب وراء ذنب، حتى يهلك الإنسان بتراكم الذنوب عليه.
تشرب شيئاً يسيراً من الحرام، وتقول: هذه واحدة، وإذا بالواحدة تدعو إلى أختها، ثم الأخت إلى أختها، ثم إلى كأس من حد من حدود الله، وبعد الكأس سفك للدماء وانتهاك للأعراض، واسترسال في حدود الله ومحارمه، وعندها لا يبالي الله بك في أي أوديته هلكت.
فلذلك يحذر الإنسان الذي يريد الإيمان أن يبقى في قرارة قلبه فليحرص على هذين الأمرين: التزام الفرائض ويكون أسبق الناس إليها وأحرص الناس في فعلها وتطبيقها على هدي الشرع، فتعلم سنن النبي صلى الله عليه وسلم وآدابه وأخلاقه رجلاً كان أم امرأة، ويكون الرجل وتكون المرأة على أكمل ما يكون عليه المؤمن وتكون عليه المؤمنة، فالإيمان يحتاج إلى هذا العمل.
الأمر الأخير في الإيمان: اعلم أن الإيمان يريد رجالاً صادقين، يريد أمة تعرف قيمة المعاملة مع الله عز وجل، أهل الإيمان لا يعرفون الخور والضعف والوهن، يبقى الإنسان أسيراً أمام معصية يقال له: اتركها لوجه الله.
يقول: ما أستطيع، هذا ليس بإيمان؛ فالإيمان رجولة كاملة، والله تعالى يقول: {مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ} [الأحزاب:23] قالبه في الأرض وقلبه في السماء، يدور مع أوامر الله عز وجل، إن تكلم كان أصدق الناس كلاماً، وإن سمع كان سمعه أعف ما يكون عن محارم الله، وإن تقدم أو تأخر أو أقبل أو أحجم على خير ما يكون عليه حال المرء.
هذه هي خصال الإيمان مع دعوة الرحمن وسؤال الواحد الديان، أن يجعلك من أهل الإيمان، ونسأل الله العظيم أن يبلغنا وإياكم كماله، وأن لا يسلبنا وإياكم حلاوته إلى لقائه، والله تعالى أعلم.