وإذا أحب الله عبداً وأراد أن يبارك له في التزامه حبب إلى قلبه كتابه وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم، فإذا أراد الإنسان أن يرى مقدار حب الله له فلينظر إلى منزلة القرآن من قلبه، فإن وجد أنه يتأثر بالقرآن صدق التأثر، ويشتاق إلى القرآن كمال الشوق، وأن هذا الكتاب يبكيه وعيده وتهديده ويشوقه وعده، فليعلم أن له عند الله مكانة.
إذا أصبح من أهل القرآن المتأثرين بآياته ومواعظه، المحبين لسماعه، والمتلهفين على تلاوته وتدبره، فليعلم أن تلك رحمة من الله سبحانه وتعالى، يصطفي لها من شاء من خلقه وعباده، جعلنا الله وإياكم ذلك الرجل.
إن العبد لا يزال يقرأ القرآن ويحبه حتى يشفعه الله فيه: {يَوْمَ لا يَنْفَعُ مَالٌ وَلا بَنُونَ * إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ} [الشعراء:88 - 89]، ولا يزال العبد يحب كتاب الله حتى يقر الله عينه بكلامه، وما من إنسان أحب القرآن صدق محبة ورغب فيه بصدق الرغبة إلا تبوأ منزلة عند الله وعند خلقه، ولذلك ترى أهل القرآن أشرح صدراً وأيسر أمراً وأكثر ذكراً، وهم عند الله بمكان، ولقد أخبرنا النبي صلى الله عليه وسلم: (أن القرآن يأتي يوم القيامة شهيداً أو شفيعاً لأصحابه) فنعمت الشهادة من كلام الله جل جلاله، ونعمة الشفاعة من كلام الله سبحانه وتعالى، فهو الشفيع الذي لا ترد شفاعته.
والشهيد الذي لا تكذب شهادته! وإذا أراد الله بالملتزم خيراً حبب إلى قلبه سنة النبي صلى الله عليه وسلم، فإذا أردت أن ترى عبداً بارك الله له في هدايته فانظر إلى ذلك العبد الذي يبحث عن سنة النبي صلى الله عليه وسلم، إذا أراد أن يتكلم أخذ يبحث كيف كان النبي صلى الله عليه وسلم يتكلم؟ وماذا كان يقول؟ (من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيراً أو ليصمت) (المسلم من سلم المسلمون من يده ولسانه) فيكون مسلماً حقاً قد سلم المسلمون من هناته وزلاته وخطيئاته وعوراته، فإذا تكلم تكلم كما كان النبي صلى الله عليه وسلم يتكلم؛ عفيفاً عن أعراض المسلمين، دالاً على الخير، مذكراً بالله سبحانه وتعالى، فلا تسمع منه إلا الذكر أو الشكر أو كلمة في منافعه الدنيوية، أما ما عدا ذلك فإنه أعف الناس عن قول الحرام، وأبعدهم عن فضول الكلام، فمن يتأسى بهديه صلوات الله وسلامه عليه في الأفعال حتى أنه لا يرفع قدماً ويضع أخرى إلا وهو يتأسى بالنبي صلى الله عليه وسلم في رفعها ووضعها، قال بعض السلف: (إن استطعت ألا تحك رأسك إلا بسنة فافعل) بمعنى أنك لو أردت أن تقوم على شأنك الخاص فلتتذكر أن هديه عليه الصلاة والسلام أنه يبدأ باليمين قبل الشمال؛ فتبدأ باليمين قبل الشمال تأسياً به عليه الصلاة والسلام.
فإذا وجدت الشاب المهتدي يسأل عن السنة، ويحرص على تطبيقها، ويغشى مجالس العلماء للعلم بها والعمل؛ فاعلم أن الله بارك له في التزامه وهدايته، وإذا وجدته غافلاً عن سنة النبي صلى الله عليه وسلم وعن هديه، فإن المحروم من حرم.