حرص الشباب الملتزم على فضائل الأعمال

مما يبارك الله به في التزام العبد: حرصه على فضائل الأعمال، فإن الله أوجب الواجبات، وحرم المحرمات، ودعا إلى الحسنات والطاعات، فالسابق إلى الخيرات الذي ذكره الله في كتابه، وأثنى عليه وجعله من أحبابه وصفوة خلقه هو الذي يحرص على النوافل كحرصه على الفرائض، فالذي يريد أن يبارك الله له في التزامه فليكمل إيمانه بالحسنات الفاضلة ولا يستهين بشيء من ذلك، فإذا أصبحت وأمسيت وأنت تحرص على كل حسنة -ولو كانت من الفضائل- لن تمسي وتصبح إلا وإيمانك على أحسن المراتب وأكملها، والعبد الذي تراه يحرص على السنة والنافلة التي ليست بعزيمة فإنه على الواجبات والفرائض ألزم وأحسن وآكد، والله تعالى جعل الحسنة تدعو إلى أختها، فمن حرص على الفضائل ونوافل العبادات، فأصبح طليق الوجه بالبشر والسرور للمسلمين يشتري رحمة الله عز وجل في سروره ويسره ورفقه بالعباد، يشتري رحمة الله بإفشاء السلام وإطعام الطعام وقيام الليل والناس نيام.

إلى غير ذلك من خصائل الكرام، يقوى إيمانه، ويثبت قلبه، ويكمل يقينه، ويجد في قرارة قلبه حلاوة الإيمان التي لا لذة مثلها بفضائل الأعمال، ليس لنا عند الله حسب وليس بيننا وبينه نسب، ولا ينظر الله إلى ألواننا ولا إلى جمالنا، ولكن ينظر إلى ما كان منا من الأقوال والأعمال.

فلترِ الله منك في التزامك وهدايتك حقيقة الالتزام بالكثرة من ذكر الله وطاعته عز وجل؛ ولذلك تجد العلماء وطلاب العلم الفضلاء أقرب الناس إلى الخير بسبب ما ألفوه من كثرة فضائل الأعمال، وقلّ أن تجد شاباً يحافظ على فضائل الأعمال ثم ينتكس، وقلّ أن تجد شاباً يحافظ على فضائل الأعمال فيقع في الانحراف؛ لأن الذي حفظ النوافل من باب أولى أن يحفظ الحدود والمحارم، والذي حفظ النوافل من باب أولى أن يحفظ الواجبات والفرائض، ولا تزال نفسك تحب هذه النوافل والفرائض حتى تعرف بها وتصبح ديدناً لك بحيث لو فقدتها كأنك فقدت الطعام والشراب.

كان من السلف الصالح من إذا نام عن قيام الليل يبكي كأنه فجع بولده؛ لأنه يحس أنه ما فقد القيام في هذه الليلة إلا لأن منزلته نزلت عند الله عز وجل.

عندما التزم السلف الصالح بهذا الدين التزموا التزام الموقن الذي يتحسس في كل صغيرة وكبيرة، بل حتى البلاء الذي ينزل إليه يتلذذ به، فقد أثر عن بعض العلماء قصة عجيبة: أثر عن هذا العالم أنه كان ذات يوم مهموماً مغموماً، وكان أحد طلابه ينظر إليه وهو في همه وغمه، فلما كان المساء جاءه رجل من عبيده وكلمه بشيء ففرح وزوال عنه الهم والغم، فقال التلميذ يستعجب مما جرى للشيخ: إني رأيتك يومي هذا وأنت مهموم مغموم، حتى أتاك فلان فأخبرك بخبر فسري عنك، فأخبرني يرحمك الله، قال: إني أصبحت ولم أر مصيبة في نفسي ولا في أهلي أو مالي أو ولدي، فقلت: قد نزلت مكانتي عند الله عز وجل، فلما أمسيت جاءني الرجل فأخبرني أن عبدي فلاناً مات، فعلمت أن منزلتي عند الله ما زالت.

كانوا يعلمون أن الله إذا ابتلاهم أنه يحبهم؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إن الله إذا أحب قوماً ابتلاهم) فقوم بهذه المثابة يتلذذون بالمصائب وبالبلايا لعلمهم أن الله قدرها وكتبها، فيرضون بقضائه وقدره، لقد أصابوا منزلة عند الله بمكان، قوم بلغوا هذه المنزلة حتى تعود عليهم المصائب والمصاعب سلواناً وفرحة فوالله لقد كمل إيمانهم وعظم يقينهم، ولذلك عندما قال النبي صلى الله عليه وسلم للمرأة السوداء: (إن شئتِ صبرتِ ولكِ الجنة، وإن شئتِ دعوت الله لكِ؟ قالت: أصبر ولي الجنة) ما دام أن النهاية الجنة أصبر وأحتسب وأرجو عند الله الثواب.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015