الحمد لله مفرج الهموم، الحمد لله مبدد الأحزان والأشجان والغموم، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، ملاذ الهاربين، وعدة الصابرين، وسلوان المصابين، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمد عبده ورسوله الأمين، قدوة الصابرين، وإمام المحتسبين، صلى الله عليه وعلى آله الطيبين الطاهرين وصحابته والتابعين, ومن سار على نهجهم المبارك واستن بسنتهم إلى يوم الدين.
أما بعد: فالسلام عليكم ورحمة الله وبركاته: سلامٌ على كل مؤمن مهموم سلامٌ على كل مؤمن مبتلى مغموم سلامٌ على كل مؤمن مبتلى ضرير سلامٌ على كل مؤمن مجروح أو كسير سلامٌ على أولئك الذين فُجعوا بأهليهم سلامٌ على أولئك الذين فجعوا بأحبتهم وذويهم سلامٌ على من فارق الآباء والأمهات سلامٌ على من ودع الخلان والأصحاب والأخوات سلامٌ على من فجع بالأبناء والبنات.
سلامٌ عليك إذ ودعت أباً كريما طالما مد يد المعروف إليك سلامٌ عليك إذ فجعت بتلك اليد التي طالما أحسنت بعد الله إليك سلامٌ عليك إذ ودعته دار البلى، وأسلمته إلى يد الردى، فكان آخر عهدك به إذ ولاك قفاه مشتغلاً بما أقدم عليه من الله جل وعلا.
سلامٌ عليك إذ رجعت إلى دارك ففقدت صورته وحنانه سلامٌ عليك إذ رجعت إلى دارك فانقطع صوته بينك وبين أبنائك.
سلامٌ عليك إذ ودعت أماً حنونا طالما أسدت يد المعروف إليك سلامٌ عليك إذ فجعت بها وقد كان ثديها لك سقاء وبطنها لك وعاء، وحجرها لك حِواء، أسلمتها إلى يد الردى والبلى وما وفيت شيئاً من معروفها عليك، أسلمتها إلى دار البلى وما أديت حقوقها من البر عليك.
سلامٌ عليك إذ ودعت الأصحاب والأحباب، وخلفوك في هذه الدنيا وحيداً فريداً مع الذكريات سلامٌ عليك إذ فجعت بهم وعظم مصابك بهم سلامٌ على كل مؤمن مهموم مغموم طريح البلاء، طريح الأذى سلامٌ على من نزل به البلاء في نفسه سلامٌ على من نزل به البلاء فعظم عليه البلاء سلامٌ على من بات طريح الأسرة البيضاء سلامٌ على كل مؤمن فجع بالأعضاء سلامٌ على كل مؤمن ذي عين عميت أو عورت سلامٌ على كل مؤمن له عضو قطعت أو شلت سلامٌ على كل مؤمن ذي قدم بترت أو حسمت سلامٌ على أهل البلايا من عباد الله المؤمنين.
عظم الله أجركم، وجبر الله كسركم وعوضكم خيري الدنيا والآخرة على ما فقدتم، فمن لكم غير الله يجبر كسركم؟! ومن لكم غير الله يبدد أشجانكم وأحزانكم؟! ومن لكم غير الله يؤنسكم من الوحشة ويعيد إليكم ما فقدتم من النعمة؟! من لكم غير الله إذا دفعتم عن الأبواب إلا بابه؟! ومن لكم غير الله إذا صرفتم وخاب الرجاء فيمن سواه إلا رجاءه؟! من لكم غير الله أعز مطلوب وأشرف مرغوب؟! سلامٌ عليكم من الله ورحمات سلامٌ عليكم من الله ورضوان ومغفرات عدد ما سكبتم من العبرات، ولفظتم من الآهات والأنات والصيحات.
أحبتي في الله: إنها الدار وأي الدار، دار الدنيا والدناءة، إن أضحكتك يوماً أبكتك أياما، وإن سرتك يوماً ساءتك سنين وأعواما، هي الدار التي جعل الله عز وجل شرورها أعظم على المؤمن من شرورها على من كفر، هي الدار التي جعل الله بلاءها على من بر أعظم من بلائها على من فجر، فالمؤمن فيها غريب، والمؤمن فيها ليس منها بقريب، فالمؤمن فيها غريب حتى يلقى الله، فهو ابن للآخرة وليس ابن لهذه الدنيا الدنيئة، تعضه بأنيابها وتقلقه بفواجعها، لكنه وإن آلمته بأشجانها وأحزانها وضرته بأسقامها وآفاتها، فله من الله ألا يخيب رجاء في الله ولا يخيب صاحبه، وله في الله ركن لا يضيع صاحبه، إليه المفزع وفيه المطمع، له من الله سلوان من الكروب، وله من الله رحمة من تلك البلايا والخطوب.
إنها الدار المؤلمة إنها الدار المحزنة التي صب الله عز وجل البلايا فيها على المؤمن، لذلك فإن خير ما يحتاجه العبد المؤمن في هذه الدار إذا عظمت مصيبته، وجلت كربته أن يجد من يعينه على أشجانها وأحزانها، أحوج ما يحتاجه المؤمن إلى كلمة من أخيه تثبته، أو رسالة من محب تسليه، أو كلمة صدق عن البلاء تعزيه يحتاج المؤمن إلى إخوان يواسونه في الأشجان والأحزان، ويبددون عنه ما حصل وما كان.
يحتاج المؤمن إلى الكلمة الصادقة النابعة من الأخ المشفق، ولذلك شرع الله عز وجل عيادة المرضى، ووعد الله تبارك وتعالى من عادهم بجليل الرضا، ففي الحديث الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (من عاد مريضاً فهو في خُرفة الجنة حتى يعود) من خرج لوجه الله عز وجل إلى أخ يواسيه في مرضه، أو يسليه من بلائه، فخطواته في سبيل الله، ولحظاته وأنفاسه في طاعة الله ومرضاة الله.
وكان بعض السلف إذا خرج لعيادة المريض يقارب الخطى حتى يطول زمانه في رحمة الله من عيادته.
وشرع الله عز وجل تشييع الجنائز، لما في تشييعها من تسلية للمصابين، فالمؤمن قوي بإخوانه، شديد بأعوانه، فإذا وجد هذا يسليه وهذا يثبته وهذا يعزيه هان عليه ذلك الخطب الذي يجده، ويسر الله عز وجل عليه ذلك البلاء الذي يعانيه.
لذلك أحبتي في الله! سلوان المصابين وتثبيت قلوب عباد الله المؤمنين المفجوعين المنكوبين، من أجلِّ القربات، وأعظم الحسنات والطاعات التي يحبها الله تعالى.
وانطلاقاً من هذا كله فإليك أخي المهموم والمكروب والمغموم كلمات من الأعماق، أسأل الله تبارك وتعالى أن يبدد بها أشجانك، وأن يزيل بها أحزانك، وأن يجعلها خالصةً لوجهه نافعة يوم لقائه.