Q نطلب من فضيلة الشيخ كلمةً -تحثُّ الشبابَ- عن دور طالب العلم نحو قضايا هذه الأمة والمسلمين، علماً بأنه يوجد في هذا المخيم معرض عن أحوال المسلمين في أنحاء العالم.
فكلمةً نودُّها من شيخنا الفاضل لإخوانه ولطلابه تحثهم على الاهتمام بهذا الأمر، وعلى جمع التبرع لإخواننا المسلمين، علماً بأن هناك مكتباً خاصاً لهيئة الإغاثة قد عمل معرضاً في هذا؟
صلى الله عليه وسلم الله المستعان! وإلى الله المشتكى، ماذا يقول الإنسان -حقيقةً- في جراحٍ لا تزداد إلا نزيفاً؟! لكن نسأل الله العظيم أن يجبر كسرهم.
الحقيقة: عَظُمَت الفتن والمحن، وخاصة في هذا الزمان، وتكالَب أعداء الله ورسوله على أولياء الله: {وَمَا نَقَمُوا مِنْهُمْ إِلَّا أَنْ يُؤْمِنُوا بِاللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ} [البروج:8] تكالب الأعداء من كل حدبٍ وصوب على أولياء الله، يقتِّلونهم، ويشرِّدونهم، وييتِّمون أطفالهم، ويرمِّلون نساءهم، وكان من البلاء ما لا يعلمه إلا الله جل جلاله.
فالذي أوصي به إخواني في خضم هذه الفتن والمحن ما يلي: أولاً: التعلق بالله جل جلاله واليقين بِهِ سبحانه: فما يقف المؤمن أمام الفتن والمحن بشيء مثل وقوفه باليقين بالله جل جلاله، وهذا اليقين يغرس في قلبه إيماناً كاملاً بأن الكلمة كلمة الله، وأن الدين دين الله، وأن الرسالة رسالة الله، وأنها ستَبْلُغ ما أراد الله أن تَبْلُغ وإن رَغِمَت الأنوف، وذلت لله جل جلاله.
فأول ما أوصي به: ألا تكون هذه الفتن سبباً لتحبيط الهمة، وضعف النفوس؛ ولكن تكون سبباً لقوة الإيمان بالله، وقوة التعلق بالله، والالتجاء إلى الله سبحانه وتعالى.
فينبغي أن يكون عندك يقين بأن أعداء الإسلام مهما فعلوا فإن الله وراءهم، ولهم الرصد، وهو {بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ} [آل عمران:120].
عندما دخل التتار على دولة الإسلام وخلافة المسلمين وضعوا تراث الأمة في نهر دجلة، حتى ساح بلون المداد، تراثُ أمةِ قرونٍ عديدة وُضِع في النهر؛ لكي تسير الخيول عليه لتعبر نهر دجلة، حتى أصبح ماء دجلة متلوِّناً بلون المداد، فهل انتهى الإسلام؟! أبداً، بل عاد يُمَكَّن أقوى مما كان عليه، فالإسلام دين يَغْلِب ولا يُغْلَب، ويَنْفُذُ ولا يُرَدُّ، لا يستطيع أحدٌ أن يقف في وجهه.
جاءت سخينة كي تغالب ربها وليغلبن مغالب الغُلابِ مَن هذا الذي يستطيع أن يقف أمام ملك الملوك؟! ومن هذا الذي يستطيع أن يطفئ نور الله جل جلاله؟! إن هذه الفتن لَمَّا نسمعها تؤلم القلوب؛ ولكن الذي نخشاه أن شباب الصحوة أو الشباب الأخيار قد تخور قواهم أمام هذا السيل الجارف من الكيد للإسلام والأذية لعباد الله؛ ولكن صبرٌ جميلٌ، فإن الله بالرَصَدِ، والله يُمْهِل ولا يُهْمِل، والقوة لله، والأرض أرضُ الله، والكون كونُ الله، والخلق خلقُ الله، والأمر أمرُ الله، ولَيُنَفَّذَنَّ أمرُ الله جل جلاله.
فعندما كان النبي صلى الله عليه وسلم في المدينة كان من عجيب ما يقع غالباً أنه إذا اشتدت الفتن والمحن يجعل الله فَرَجَها من حيث لا يدور بالحسبان، فكل ما اشتدت الفتن على المؤمنين خاصةً الفتن التي يراد بها الدين يأتي الفرج منها غالباً من حيث لا يحتسب المؤمن.
فانظر في غزوة بدر، حيث التقى المسلمون بالكفار، فكانت الغلبة للمسلمين؛ لكن القتال قتال ماذا؟! قتالٌ حِسِّي.
لكن يوم الأحزاب قال الله تعالى: {وَإِذْ زَاغَتِ الْأَبْصَارُ.
} [الأحزاب:10] الله أكبر! نبي الله والصحابة الذين هم صفوة الأمة يقول الله عنهم: {وَإِذْ زَاغَتِ الْأَبْصَارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ.
} [الأحزاب:10]! وماذا بعدها؟! {.
وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا} [الأحزاب:10] ما معنى {وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا} [الأحزاب:10]؟! معناه: أنه بلغ بالصحابي، مرتبةً مِن كيد الشيطان، سبحان الله العظيم! قد يدخل الشيطان على الإنسان بشيء من الهم والغم ما يعلمه إلا الله سبحانه وتعالى! يقول الله عن هذا الأمر العظيم: {هُنَالِكَ.
} [الأحزاب:11] ما قال: هناك؛ لأن زيادة المبنى تدل على زيادة المعنى {هُنَالِكَ.
} [الأحزاب:11] أي: في ذلك المقام العظيم من الابتلاء والامتحان، {.
ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ.
} [الأحزاب:11] ليس ابتلاءً واحداً، بل {.
وَزُلْزِلُوا.
} [الأحزاب:11] انظر كيف يكون الزلزال إذا ضرب أرضاً! فكيف بزلازل القلوب؟! فكذلك تُزَلْزَل مثلما زُلْزِلَ الصحابة، {وَزُلْزِلُوا.
} [الأحزاب:11] كما قال الله عن الأنبياء وصفوة الأنبياء في ذلك الأزمنة، قال: {وَزُلْزِلُوا زِلْزَالاً شَدِيداً} [الأحزاب:11] إذا كان الله زلزل الصحابة زلزالاً شديداً؛ فكيف بنا نحن الفقراء؟! فالكُفْرُ مِثْلَما مَرَّ، الحق هو الحق، والباطل هو الباطل، وإن تغير الستار، وتبدل الشعار؛ فهو ملة الكفار، شئنا أم أبينا؛ وإنما هي أيامٌ تَمُرُّ؛ ولكن الحقيقة واحدة، حقٌّ وباطل.
فإياكم ثم إياكم أن تكون هذه المآسي المؤلمة -ولا شك أنها جارحة للقلوب ومؤلمة للقلوب- لكن لا ينبغي أن تكون سبباً للتخذيل، بل ينبغي أن تكون سبباً لقوة الشكيمة: {وَكَأَيِّنْ مِنْ نَبِيٍّ قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ فَمَا وَهَنُوا لِمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَمَا ضَعُفُوا وَمَا اسْتَكَانُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ} [آل عمران:146] إنه اليقين، فما تقف أمام الشدائد والمحن والفتن بشيء أقوى من اليقين بالله جل جلاله، وأن يكون عندك قوة ثقة بالله سبحانه وتعالى في أن الكلمة ستَنْفُذ، وأن الأمر سيمضي، إن عاجلاً أو آجلاً.
الأمر الثاني: ينبغي أن نأخذ بالأسباب: وهي: إلهية، وكونية، أي: شرعية، وكونية.
فالشرعية هي: ما أمرنا الله عز وجل بها، ومن أعظمها: الدعاء:- أن نكثر من الدعاء لإخواننا، فأقل ما فيه أنك في السحر إذا أوترت ودعوت لإخوانك تترجم عما في قلبك من أنك بذلت شيئاً لإخوانك، فتدعو لهم، وتذكَّر -أخي- أرملة من المسلمين فقدت زوجها من أجل لا إله إلا الله! تصوَّر أنها لو كانت قريبتك أو كانت أمك أو أختك أو ابنتك فكيف يكون حالك؟! هل يهنأ لك العيش؟! هل يهنأ لك البال؟! هل ترتاح؟! فلذلك يجب أن تدعو لهم وأن تستشعر أن إخوانك يفتقرون منك الدعوة الصالحة، والدعاء سلاح المؤمن، فيجب أن نكثر من الدعاء لإخواننا، وأن نجعل هذا الدعاء أشجاناً وأحزاناً مع أشجان إخواننا وأحزانهم.
والكونية هي: الأخذ بالأسباب التي نؤمر بها في الدين:- بأن نعد لأعدائنا ما أمر الله بإعداده، فمن استطاع أن يعين بنفسه فليُعِن بنفسه، ومن استطاع أن يعين بماله فليُعِن بماله، ومن استطاع أن يعين بالكلمة التي تدل على افتقاره وحاجته للوقوف معي فليَقُل.
فينبغي أن نكون مع إخواننا، فنعيش أشجانهم وأحزانهم، ولذلك لما بلغ خبر مقتل عثمان رضي الله عنه إلى أبي حميد الساعدي قال: [اللهم لك عليَّ ألاَّ أضحك أبداً] وذلك من شدة ما سمع من مصاب أخيه في الله عثمان الخليفة الراشد، فكيف بأعراض تُنْتَهك! ودماء تُسْفَك! وغيرِ ذلك مِن نساءٍ للمسلمين يُرَمَّلْن! ويُيَتَّم أطفالهن؟! وإلى الله المشتكى.
فالذي نحب أن نقوله: أنه ينبغي أن نوطِّن أنفسنا، وأن نعد العدة لأعداء الله عز وجل -وذلك لِمَا ذكرنا-، على قدر استطاعة الإنسان ووسعه، فيبذل كل ما يستطيع لإعانة إخوانه والوقوف معهم، ويقف الوقفة الصادقة.
الأمر الأخير: الإخلاص:- إذا أردنا أن نقف مع إخواننا يجب أن نقف بإخلاص، ولَمَّا يتحدث الإنسان في هذه القضايا يجب أن يتحدث بإخلاص، فلا يتحدث من أجل غَلَبَة شخصية، أو حَنَقٍ شخصي أبداً، بل يجب أن يتحدث من واقع إسلامي وبشعور إسلامي نابع من القلب يريد وجه الله، حتى تكون الكلمات هادفةً ومؤثرةً وبالغةً إلى القلوب.
اللهم إن نسألك بأسمائك الحسنى وصفاتك العلى أن تعجِّل لإخواننا بالفرج.
اللهم انصر المستضعفين من عبادك المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها أجمعين.
اللهم عليك بأعداء الدين، اللهم عليك بأعداء الدين.
اللهم يتِم أطفالهم، ورمل نساءهم، وشتت شملهم، وفرق جموعهم، وأنزل عليهم بأسك الذي لا يرد على القوم الظالمين.
اللهم إنا نسألك ثباتاً في هذه المحنة يرضيك عنا يوم لقائك.
اللهم ثبت قلوبنا بتثبيتك.
اللهم إنا نسألك اليقين بك، والتوكل عليك، وصدق الالتجاء إليك.
لا إله إلا أنت سبحانك إنا كنا من الظالمين.
اللهم إنا نسألك لإخواننا المستضعفين في مشارق الأرض ومغاربها أن تشفي مُصابهم.
اللهم اجبر كسرهم.
اللهم أطعم جوعاهم.
اللهم اسقِ ظمآهم.
اللهم ارحم موتاهم.
اللهم ارحمهم برحمتك الواسعة.
اللهم أنزل عليهم من الصبر والسلوان والثبات أضعاف ما أُنْزِل عليهم من البلاء.
اللهم أزل عنهم العناء.
اللهم اكشف عنهم البلاء.
اللهم كفر بذلك ذنوبهم.
اللهم ثقل به موازين حسناتهم، وارفع به درجاتهم، وتقبل شهداءهم، برحمتك يا أرحم الراحمين.
لا إله إلا أنت سبحانك إنا كنا من الظالمين.
وآخر دعوانا أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ.