التغيير باليد ضرب له العلماء رحمة الله عليهم أمثلة مثل: تكسير آلات اللهو, وكذلك أيضاً تكسير النبي عليه الصلاة والسلام الأوثان كما ثبت حينما دخل إلى مكة فإنه كسر الأوثان, وكذلك إبراهيم: {فَجَعَلَهُمْ جُذَاذاً إِلَّا كَبِيراً لَهُمْ لَعَلَّهُمْ إِلَيْهِ يَرْجِعُونَ} [الأنبياء:58] , يقولون في التغيير باليد: إنه يقطع دابر الشر؛ لأن به ينعدم هذا المنكر ويزول, وبناءً على ذلك فالأساس والقاعدة التي هي الأصل في التغيير, أنه متى ما أمكن للإنسان أن يغيره بيده فليغير بيده, هذا الأساس والقاعدة, ولذلك قال علي رضي الله عنه لـ أبي الهياج: (ألا أبعثك على ما بعثني عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ ألا تدع صورة إلا طمستها, ولا تمثالاً إلا كسرته, ولا قبراً مشرفاً إلا سويته) هذا من التغيير باليد؛ لأنه إذا استشرفت القبور عُظِّمت, فكانت ذريعة إلى الشرك والعبادة, فالمقصود أن التغيير باليد سنة وهدي, وهو أول المراتب، وقد وقع من النبي صلى الله عليه وسلم, كما في حديث القرام؛ والقرام ستارة كانت على سهوة حجرة عائشة رضي الله عنها -كما في صحيح مسلم - فرأى عليه التصاوير فأخذه بيده عليه الصلاة والسلام ونزعه وهتكه.
فهذا يدل على التغيير باليد.
وهناك أمور ينبغي التنبيه لها: قد يكون الإنسان وهو في مقام الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر عنده ضوابط معينة لتغيير المنكر, فمثلاً: لو كان هناك توجيه بأن لا تكسر هذا المنكر الآن من أجل أمور، مثلاً: لإقامة دلائل يحتاج إليها, فلو فرضنا أن الإنسان بمجرد أن جاء وكسر المنكر, كيف ندين صاحب هذا المنكر ما دام المنكر أزيل؟ إذاً تكون مهمتي أنا كوني أحفظ هذا المنكر لكي يصل إلى الجهة المختصة يعتبر من إنكار المنكر؛ لأنه وسيلة إلى إزالته وإلى تكسيره؛ لأن البعض يقول: كيف أكون آمراً بالمعروف وناهياً عن المنكر وأنا لم أكسِّر، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: (فليغيره بيده)؟ نقول: إن الوسيلة إلى التغيير تغيير, كونك تحفظ هذا المنكر لكي يكون حجة ودليلاً في بعض الأحيان، مثلاً: لو فوجئنا بمكان لصنع الخمر -لا قدر الله والعياذ بالله- فيكون إنكار هذا المنكر أن أكسره وأن أزيله بالكلية، وهذا لا شك فيه, لكن -مثلاً- لو أردنا أن نعرف مَنْ أصحاب الجريمة الذين قاموا بهذا العمل؟ من الذين يتعاونون مع هذا الشخص؟ من الذي يأخذ منه ويعطيه؟ قد تكون -مثلاً- بيئات أخرى تتعامل مع هذا المصنع للترويج، فعندما نتريث قبل أن نكسر, هذا من مصلحة الأمر بالمعروف, وهذا من تغيير المنكر, فالوسائل آخذة حكم مقاصدها كما يقول العلماء, فليست القضية لتغيير المنكر أن يكون الإنسان مباشراً ما دام أن هناك تنظيماً يقصد من ورائه الوصول إلى معالجة المنكرات بأفضل الأساليب.
أيضاً هناك نقطة: قد يكون من المصلحة أن لا نغير الآن باليد، قد يكون هناك أمور وظروف وملابسات معينة يكون التوجيه للإنسان فيها أن يقتصر فقط على مراقبة هذا المنكر, فقد يقول الإنسان: كيف أراقب المنكر وأراه أمامي وبعيني ولا أفعل ولا أقدم؟ فنقول: قد تكون هناك مصالح، بمعنى أنه قد تقع مفسدة أعظم لو أنه أزيل هذا المنكر باليد.
ولذلك أنا أقول: لا بدَّ في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من حسن الظن، ولا يمكن أن يتم بين الإخوة والأحبة والمشايخ وطلاب العلم ذلك إلا بالتعاون وبحسن الظن, مثلاً: إذا جاءني توجيه من فوق بأن أتريث في هذا الأمر فلا داعي لسوء الظن: هذا تقصير هذا تساهل, لا, قد قال عليه الصلاة والسلام: (فليغيره بيده) لكن نحن نظن ونحسن الظن بمن يأمرنا بهذا الشيء -إن شاء الله- أنه يريد التغيير, لكن كيف؟ ما هو الأفضل؟ ما هي الطريقة؟ هذا أمر بينه وبين الله عز وجل، ولذلك من أمثلة هذه: لو أن عندنا أفراداً وعندنا -مثلاً- من فوق الأفراد ومن له التوجيه الأعلى, فلو أنك أتيت في حي فيه منكر، قد ترى بعض الناس يتعاون معك في القضاء على هذا المنكر من عامة الناس, ترى إنساناً -مثلاً والعياذ بالله- قد فتح بيته للحرام منزلاً أو دعارة -والعياذ بالله-, فشره متعدي، فإذا جئت لإنسان متعاونٍ متحمسٍ ويريد الخير -ولا شك أن هذا الحماس وراءه خير, وهذا أمر نحب أن ننبه عليه- فينبغي أن نحسن الظن به لكن نوجهه, فهذا الفرد حينما تأتي وتقول له: يا أخي انتظر, ولا تعجل؛ لأنك أنت تريد أن تصل إلى ما وراء هذا المنكر، من الذي يأتي به؟ قد يأتيك مباشرة ويقول لك: قال صلى الله عليه وسلم: (من رأى من منكم منكراً فليغيره بيده) الآن تدخل هذا تقاعس هذا تأخير لماذا؟ لأنه لا يعلم ولا يعرف ما هي المصلحة، ما هي الأهداف التي تنظر إليها أنت, كما أن هذا يقع منك كفرد؛ فإنه يقع مع عامة الناس وتقول له: يا أخي تغيير المنكر يحتاج إلى بصيرة وإلى تجربة؛ لأنك أنت مرت عليك أمور دعتك إلى هذه الحكمة وهذا التروي, وكذلك من هو فوقك إذا كان أكثر تجربة وأكثر بصيرة, فالأصل أن الإنسان يحسن الظن, ولا يعجل, وقد تكون هناك ظروف تحكم عليك بأنه ليس من المصلحة تغيير هذا المنكر مثلاً بالكلية, فهذا أمر مهم جداً, في قوله: (فليغيره بيده).