درجة بين الإنكار بالقلب والإنكار باللسان

قال العلماء: يدخل في التغيير بالظاهر أحياناً أن تغير منكراً ولا تتكلم, وهي الدرجة التي بين القلب وبين اللسان, مثلاً: تغير الوجه، والعبوس في وجه المبتدع, والعبوس في وجه الضال, فشخص تراه صاحب بدعة نصحته وذكرته لكنه أبداً ما استجاب ولا تستطيع أن تغير بدعته باليد؛ لأنها بدعة عقدية, ماذا تفعل؟ تعبس في وجهه؛ لأن هذا العبوس قربة إلى الله عز وجل وطاعة؛ لأنه غيظ لله, ولذلك جعل الله إغاظة العاصي قربة إليه سبحانه وتعالى, وكان عليه الصلاة والسلام لا يغضب لنفسه إنما يغضب إذا انتهكت حرمات الله عز وجل, تقول عائشة رضي الله عنها: (فكان لا يسب ولا يصخب وإنما يُعرف في وجهه).

وهذا من أفضل ما يكون عليه الإنسان الداعية الموفق، والآمر بالمعروف والناهي عن المنكر, وهذه ميزة الأخلاق الحميدة, فإنك تكون مع الناس بأسلوب يدل على كمال الإسلام وأخلاقه الجميلة، لكن بمجرد أن تعبس أو يتغير وجهك كل الناس يسألون: ما الذي غير فلاناً؟ لأنهم اعتادوا منك الأخلاق الطيبة والأخلاق الحميدة.

فإذاً هذا نوع من التغيير وهو التغيير بالصفات والملامح بالعبوس والإعراض والصد.

وذات مرة دخل يحيى بن معين ومن معه على الإمام أحمد رحمة الله عليه، وكانوا قد أجابوا في فتنة القرآن بالتورية، فلما دخل على الإمام أحمد أعرض عنه الإمام, فصار يحيى يقول: حديث عمار حديث عمار والإمام أحمد يعرض ولا يجيبه ولا يتكلم معه, حتى قام يحيى، ومراد يحيى: أن عماراً أكره على الكفر، فقال الكفر وعذره الله عز وجل {إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْأِيمَانِ} [النحل:106] لكنَّ الإمام أحمد رحمة الله عليه وهو إمام أهل السنة في زمانه لم يرض بهذا فلما خرج ابن معين وقف على الباب وأنصت ليسمع ماذا يقول الإمام أحمد، فسمع الإمام أحمد يقول: يقولون حديث عمار، إنما عمار مُسَّ بعذاب وهؤلاء لم يمسوا بعذاب.

أي: لم يراه مكرهاً إلا بعد الأذية ويحيى لم يؤذ, فقال: كيف تجيب قبل أن تؤذى؟ فقال يحيى: ما تحت أديم السماء أفقه منه.

أي: من الإمام أحمد رحمة الله عليه, فالشاهد: الإعراض، ولذلك أمر الله بالإعراض عن الجاهلين, والإعراض من إنكار المنكر؛ لأنه احتقار وازدراء.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015