الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين سيدنا ونبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد: فإن من أجل الطاعات وأفضل القربات التي يحبها الله عز وجل قيام الليل، فقيام الليل دأب الصالحين وشأن عباد الله المتقين كما أثنى الله عليه في كتابه المبين، وهذا الشهر -أعني: شهر الصيام- فرض الله عز وجل على عباده المؤمنين صيامه، وندب رسول الهدى صلى الله عليه وسلم إلى قيامه، فحري بالمسلم أن يشحذ همته لقيام هذا الشهر المبارك، اقتداءً وامتثالاً لرسول الله صلى الله عليه وسلم حيث يقول: (من قام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه).
وقيام الليل فضيلة من الفضائل ونعمة من أجل نعم الله على عباده، فالله إذا أحب عبداً من عباده فتح له أبواب رحمته ويسر له سبيل طاعته، فينشرح صدره للخير، وقد امتن الله بهذه النعمة على نبيه فقال: {أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ} [الشرح:1] فإذا أراد الله بعبده خيراً شرح صدره لهذه الطاعة وسهلها عليه، ولا يزال المؤمن يحفظ قيامه من الليل حتى يكون أحب إليه من نفسه التي بين جنبيه، بل وتجده يضجر ويسأم ويتألم إذا حُرِم ذلك القيام، إذا حُرِم مناجات الله جل جلاله والوقوف بين يديه في ساعة هدأت فيها العيون وسكنت فيها الجفون وهو ينادي الحي القيوم.
وقد أثنى الله عز وجل على أقوام أحبوا الآخرة فجدوا في ليلهم في القيام، فقال سبحانه وتعالى عنهم: {تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفاً وَطَمَعاً وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ} [السجدة:16] وقال سبحانه وتعالى شاهداً بفضل هؤلاء وأنهم أهل خوف ورجاء: {أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِداً وَقَائِماً يَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ} [الزمر:9].
فمن يحذر الآخرة ويرجو رحمة ربه يحيي ليله بذكر الله جل جلاله؛ لعلمه بفضيلة هذه المنزلة، وبعلو درجة هذه القربة عند الله سبحانه وتعالى، ولذلك لما ذكر النبي صلى الله عليه وسلم فضائل الأعمال قال: (وركعتان يركعهما المؤمن في جوف الليل الآخر) أي: ومن أحب الطاعات إلى الله ركعتان يركعهما المؤمن في جوف الليل الآخر في ساعة يكون فيها الدعاء أسمع، والإجابة أرجى من الله جل جلاله.