Q كيف نتخلص من العجب بالعمل؟
صلى الله عليه وسلم الله المستعان، هل عندنا عمل حتى نعجب؟! الله المستعان، أين قيام الليل؟! وأين صيام النهار؟! أين بكاء الأسحار؟! وأين القنوت؟! وأين الخشوع الذي رفع من القلوب إلا ما شاء الله جل جلاله؟! كان الرجل إذا نُظر إليه ذُكِر الله جل جلاله، لا شك أن نعمة الله علينا عظيمة ولكن نغتر بماذا؟ مع السيئات والخطيئات وفتن النظر وفضول الكلام؟! تأمل نفسك يوماً كاملاً -ولو كنت أعبد الناس- هل سلم المسلمون من لسانك؟! تأمل يوماً كاملاً ما الذي قلته منذ أن أنعم الله عليك فأحياك وأمات غيرك، فقمت من صباحك الباكر إلى أن أويت إلى فراشك ما الذي تكلمت به وما الذي قلته؟ وانظر إلى الذي قلته من الكلام الذي يرضي الله، كان السلف الصالح رحمة الله عليهم يعدون الكلام الذي يقولونه بغير ذكر الله جل جلاله، هل بلغت هذا المبلغ؟! بأي شيء تعجب؟! بأي شيء تغتر؟! كان السلف الصالح رحمهم الله إذا قيل لأحدهم: اتق الله، خشع وجلس يبكي، ولربما غشي عليه، فهل بلغت هذا المبلغ؟ وهل عندك علم بلغت به أعالي المراتب فأجبت به عن المسائل وحللت به المشكلات والنوازل حتى بلغت الغاية والتفوق، حتى تغتر بما أنت فيه؟ أي شيء عندنا حتى نغتر؟ جهل وإسراف وبعد عن الله جل وعلا إلا أن يرحمنا الله برحمته، ومع ذلك يعد الإنسان نفسه وكأنه أصلح الخلق، إذا أطلق لحيته وقصر ثوبه وصلى في المسجد فكأنه إمام زمانه علماً وصلاحاً وورعاً، وإنا لله وإنا إليه راجعون! فإن العبد يحرم البركة في إخلاصه واستقامته والتزامه بعجبه بنفسه، فلا تغتر ولا تعجب، قال مطرف رحمه الله: [لأن أبيت نائماً وأصبح نادماً أحب إليَّ من أن أبيت قائماً وأصبح معجباً] أبيت نائماً وأصبح نادماً؛ لأن الله بالندم يبلغه درجة العامل، أحب إليَّ من أن أبيت قائماً وأصبح معجباً، وكم من عبد أعجب بنفسه حتى مكر الله به وبعلمه، ويعجب العالم فينزع الله من القلوب حبه، يعجب العالم فينزع الله من القلوب الثقة في كلامه ويصرف وجوه الناس عنه، ويعجب طالب العلم فيمحق بركة العلم وخشوع العلم، فلا يجد لعلمه أثراً على عامله وصلاحه -نسأل الله السلامة والعافية- العجب لا خير فيه، وإذا أردت أن تتخلص من هذا العجب فدعوة صادقة من الله جل جلاله، كل الأمراض -أمراض القلوب وأمراض الأجساد- أول شفاء ودواء لها أن تقول: يا رب وأن تقول: اللهم، من قلب لا يعرف أحداً سواه، تسأل الله أن يعافيك وأن يشفيك، بمجرد أن تصلي فوجدت أنك أعجبت بصلاتك، أو ذكَّرت الناس فأعجبت بتذكيرك، أو وعظتهم فأعجبت بوعظك، فابكِ لله وقل: اللهم إني أسألك ألا يحبط الشيطان عملي فأكون من الخاسرين، اللهم انزع من قلبي العجب بعمل عملته فيما بينك وبينه.
سل الله أن ينزع من قلبك العجب.
الأمر الثاني: النظر إلى الصلحاء وقراءة سيرة السلف الصالح رحمة الله عليهم، كثير من الشباب يغتر لأنه ينظر إلى واقعه وقل أن يجد من هو على الكمال والجلال، فليقرأ في سيرة السلف الصالح رحمة الله عليهم حتى يعرف منزلته، وليقرأ في أخبار العلماء والصلحاء حتى يعلم أين هو، فهذه من الأمور التي تعين على احتقار الإنسان نفسه.
أما الأمر الثالث: فإن الأعمال ولو صلحت ولو كانت من أحب الأعمال إلى الله فالعبرة كل العبرة على القبول، قد تجلس من طلوع الفجر إلى أن يغلق المسجد في العشاء وأنت تتلو كتاب الله ولا يتقبل الله منك حرفاً واحداً، هل تستطيع أن تقول: لا؟ {لا مُعَقِّبَ لِحُكْمِه} [الرعد:41] ولذلك هذا الذي أهم السلف الصالح رحمة الله عليهم، فكانت قلوبهم منكسرة لله عز وجل، يحملون هم القبول: قد آلم القلب أني جاهل ما لي عند الإله أراض هو أو قالي وأن ذلك مخبوء إلى يوم اللقاء ومقفول عليه بأقفال ما أحد يعلم من المقبول ومن المحروم، كان علي رضي الله عنه إذا كانت آخر ليلة من رمضان صاح وبكى وقال: [ألا ليت شعري من هو المقبول فنهنيه ومن هو المحروم فنعزيه] وكان ابن عمر رضي الله عنهما وأرضاه يقول: [لو أعلم أن لي صلاة واحدة مقبولة لاتكلت] ولا يستطيع ملك مقرب ولا نبي مرسل أن يعلم أن الله تقبل، إلا إذا أطلعه الله جل جلاله، ما أحد يعلم، المدار على القبول، ربما عقوق والديك يحجب عنك القبول، وهذا ذكره العلماء رحمهم الله واستنبطوه من الآية التي ذكرناها في البر وقال الله عقب البر: {أُولَئِكَ الَّذِينَ نَتَقَبَّلُ عَنْهُمْ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَنَتَجَاوَزُ عَنْ سَيِّئَاتِهِمْ} [الأحقاف:16] فما يدريك فلعل كلمة أسخطت والديك أو عققت بها والديك حجبت عنك قبول عملك أو صلاحك أو عبادتك، فإذاً الإنسان مداره على القبول، فالإنسان لا يغتر بالعمل وإنما يفوض أمره إلى الله.
الأمر الخامس الذي يعين على احتقار العمل: أن تنظر إلى نعم الله التي تغدق عليك في الصباح والمساء، التي تغدق عليك آناء الليل وأطراف النهار وأنت ترفل فيها، ما الذي يقدم في جنب هذه النعمة، انظر إلى عينك هذه التي حفظها الله لك، ويدك وسمعك وبصرك، وهذه الرحمة الإلهية التي لطف الله عز وجل بها بجوارحك وأركانك حتى وقفت على قدمك وحتى مشيت بها إلى المسجد، وانظر إلى رحمة الله بك يوم صرف عنك الفتن والمحن، وقد كان بالإمكان ألا تقرب مسجداً لذكر الله وطاعته، والله لو شاء الله ما خطت ولا وقعت قدم أحدنا في بيت من بيوته إلا رحمته سبحانه لا إله إلا هو، ما نحن بشيء تحت رحمة الله جل جلاله، فلا تغتر رحمك الله، بأي شيء تغتر؟ فالإنسان تحت رحمة الله، وفي حديث العابد أنه لما قال الله له: أدخلوا عبدي الجنة برحمتي، قال: لا، بعملي -والقصة معروفة- فأمر الله أن توزن نعمة البصر -نعمة البصر فقط- فرجحت بأعماله الصالحة في عمره كلها، ومع ذلك بقيت لها فضل على هذه الأعمال الصالحة، فقال: أَدخلوا عبدي الجنة برحمتي، نحن لسنا بشيء يا إخوان، نحن تحت رحمة الله جل جلاله، ومهما عملنا وقلنا، فالمنة والفضل كله لله، نقول: الحمد لله والفضل كل الفضل لله جل جلاله، يقول لنبيه أشرف الخلق وأفضلهم: {وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكَانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيماً} [النساء:113] المنة لله والفضل كله له، وقف صلى الله عليه وسلم يوم حنين وقد قسم الغنائم فأعطى غير الأنصار وحرم الأنصار، فقالوا: أيعطيهم وسيفونا تقطر من دمائهم؟ فقال: اجتمعوا لي، فاجتمعوا وقال: ما مقالة بلغتني عنكم؟ قالوا: يا رسول الله، أما سفهاؤنا فقالوا: أيعطيهم وسيوفنا تقطر من دمائهم؟ وأما ذوو الحلم فما قالوا إلا خيراً، وكانوا قوم صدق مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال صلى الله عليه وسلم: أو قد وجدتم لعاعة من الدنيا يا معشر الأنصار؟! -يخاطبهم وهم لوحدهم ليس معهم أحد من غيرهم إلا النعمان بن أختهم- قال: (يا معشر الأنصار ألم تكونوا ضلالاً فهداكم الله بي؟ ألم تكونوا متفرقين فجمعكم الله بي؟! ألم تكونوا فقراء فأغناكم الله بي؟! فبكوا وقالوا: المنة لله، ثم قال: ولو شئتم لقلتم، ولو قلتم لصدقتم وصدقتم: أتيتنا طريداً فآويناك، وخائفاً فأمناك، فبكى الصحابة رضوان الله عليهم، وقالوا: المنة لله) ما قالوا: لنا المنة ولا اغتروا، والنبي صلى الله عليه وسلم قال: المنة لله، ردوا عليه صلوات الله وسلامه عليه وهو يقول: (ولو شئتم لقلتم ولو قلتم لصدقتم وصدقتم قالوا: المنة لله) العبد الصالح يجعل المنة كلها لله، فالغرور بلاء وشقاء يغتر به الإنسان حتى يكون من الهالكين، نسأل الله العظيم أن يكسر قلوبنا لوجهه الكريم، وأن يصرف عنا منكرات الأخلاق إنه ولي ذلك والقادر عليه، والله تعالى أعلم.