النميمة

كذلك أيضاً من حقوق المسلمين التي تزل بها الألسن، وتحصل بها الآفات: النميمة، وهي الحالقة، حالقة الدين لا حالقة الشعر، يوم ينقل ذلك الرجل الذي لا يخاف الله ولا يتقيه تلك الكلمات التي تأجج نار الفتنة والعياذ بالله.

تلك الكلمات التي تفرق بين الأحبة والجماعات.

تلك الكلمات التي تورث البغضاء والعداوات.

تلك الكلمات التي تصطلي بها القلوب بنار الحقد والحسد.

تلك الكلمات التي تورث بين الناس المفاسد حتى تسفك الدماء، وتنتهك حدود الله جل جلاله، ألا وهي المشي بين الناس بالقيل والقال، كقولك: فلان يقول فيك كذا وكذا.

فإياك أن تكون نماماً! ففي الحديث الصحيح عن حذيفة رضي الله عنه وأرضاه أن النبي صلى الله عليه وسلم أخبره عن حال من نقل الكلام فأوقع العداوة بين الناس أنه لا يدخل الجنة، قال صلى الله عليه وسلم: (لا يدخل الجنة نمام) والعياذ بالله! يقول بعض العلماء في هذه الأحاديث المشتملة على الكبائر: الغالب أن صاحبها لا يوفق لحسن الخاتمة حتى يكون من أهل الجنة.

فاتق الله في نقل الأحاديث! المسلم يصلح ولا يفسد؛ إذا علمت أن بين أخٍ وأخٍ عداوة فاتق الله فيما تقوله، قُل الكلام الطيب، حتى إن الإسلام أباح لك أن تقول الكذب لأجل أن تصلح بين هذه القلوب المتفرقة، الإسلام يريد السلامة ويريد اجتماع القلوب، والتآلف والمحبة والتعاطف والتراحم والتكاتف، يريد اجتماع القلوب على طاعة الله جل جلاله، لا يريد الشحناء، ولا البغضاء لا يريد تفكك القلوب وحصول الفتن والمحن، واشتعالها واصطلائها بسعير الشيطان وأعوان الشيطان، ولذلك ينبغي على المسلم أن يخاف الله في حقوق إخوانه.

وإذا رأيت إنساناً ينقل إليك كلاماً يوغر صدرك على إخوانك فذكره بالله جل جلاله، وقل: يا فلان! اتق الله فيما تقول، ولذلك قال صلى الله عليه وسلم: (دعوا لي أصحابي.

دعوا لي أصحابي إني أريد أن أخرج نقي الصدر لهم) فلذلك ينبغي على المسلم الموفق إذا جاءه هذا النمام -ذو الوجهين- الذي يريد أن يفرق ويبدد الجماعة والشمل أن يقول له: يا فلان! اتق الله! وإذا كنت في المجلس فسمعته ينقل حديثاً يوغر صدر السامع على أحد فقل له: اتق الله.

وقد كانت للسلف مواقف جليلة: جاء رجلٌ إلى بعض السلف وقال له: فلان يقول فيك كذا وكذا، فقال له ذلك العالم الجليل: أما وجد الشيطان رسولاً غيرك؟ الله أكبر! تريد أن تغير قلبي على أخي؟ ما وجدت شيئاً تنقله إلا هذه الكلمات الخبيثة حتى ولو قالها، ما وجد الشيطان وعاءً نتناً ينقل النتن غيرك والعياذ بالله! وجاء رجل إلى الحسن رحمة الله عليه فقال: فلان يقول فيك كذا وكذا، قال: والله لأغيظن من أمره بذلك، اللهم اغفر لي ولأخي.

أي: لأغيظن الشيطان الذي أمره أن يقول فيه.

اللهم اغفر لي ولأخي.

هذه صفحاتٌ مشرقةٌ من قلوب تعامل الله علام الغيوب، من يريد الجنة يشتريها بالأعمال الصالحة، وبسلامة الصدر التي بشر النبي صلى الله عليه وسلم صاحبها بالجنة، فكان مبشراً بالجنة وهو يمشي على وجه الأرض، لحديث ابن عمرو رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (يطلع عليكم الآن رجلٌ من أهل الجنة) فاستشرفت تلك العيون تنتظر هذا الرجل المبشر بالجنة وهو في الدنيا، فخرج ذلك الرجل الصالح الموفق فسلم ومضى، فتبعه ابن عمرو رضي الله عنه وأرضاه؛ لأنه يريد أن يفوز بالخير الذي فاز به هذا العبد الصالح، فنام معه ثلاثة أيامٍ يريد أن ينظر كيف دخل هذا العبد الجنة، يريد أن يعرف السبيل الذي أوصل هذا العبد إلى دخول الجنة، فبات معه ثلاث ليال، لا يتحرك حركة، ولا يقول كلمة، ولا يفعل فعلاً إلا وعين ابن عمرو تراقب، حرصاً على الخير، فقد كان الصحابة رضوان الله عليهم قلوبهم معلقة بالجنة، أين طريق الجنة؟ أين سبيل الجنة؟ يبيعون أنفسهم لشراء هذه السلعة الغالية {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ} [البقرة:207] من يشري نفسه، أي: يبيعها {وَمِنَ النَّاسِ} [البقرة:207] ليس كل الناس {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ وَاللَّهُ رَؤُوفٌ بِالْعِبَادِ) [البقرة:207] فرآه ثلاثة أيام، يقول: فما وجدت منه كثير صلاة ولا صيام، ولا كثير عبادة، ولكن كان إذا تقلب في الليل وهو نائم، ذكر الله، سبح حمد هلل كبر قلب معلق بالله جل جلاله، قلب سليم، نسأل الله أن يرزقنا وإياكم هذه القلوب.

فلما مضت الثلاث الليالي، ولم ير ابن عمرو عملاً عند هذا الرجل، فقال: يا فلان، إني كنت عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: كذا وكذا، فكنت أنت الرجل، فأخبرني عن أرجى عملٍ تعمله، فقال ذلك الرجل: [أما إنه ليس عندي كثير صلاة، ولا صيام، ولكني لا أمسي وأصبح وفي قلبي غلٌ على مسلم].

فلذلك ينبغي للمسلم الموفق أن يكون قلبه بريئاً، فإذا جاءه ذو الوجهين، أو جاءه من لا يخاف الله ويتقيه يريد أن يقطعه عن إخوانه، فليقل له: اتق الله ولا تنقل لي كلام الناس، لا تنقل لي ما يغير قلبي على عباد الله فهذه من آفات اللسان.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015