وكما أن السعادة تكون في النفس بالاستقامة تكون في الأهل والمال والولد، فإذا أراد الله أن يسعدك في قرابتك رزقك رضا أقرب الناس إليك ورزقك الرضا من أقرب الناس إليك وأعظمهم حقاً عليك، فإذا أراد أن يسعدك رزقك رضا الوالدين، فمن أعظم أسباب السعادة: رضا الوالدين، ومن أرضى والديه رضي الله عنه، وكم من ابنٍ بار فتحت أبواب السماء لدعواتٍ مستجابةٍ من والديه، وكم من ابنٍ بار فتح الله أبواب الخير في وجهه عندما أرضى الله في والديه، قال صلى الله عليه وسلم: (رضي الله على من أرضى والديه، وسخط الله على من أسخط والديه) وفي الحديث: (يا رسول الله! أي العمل أحب إلى الله؟ قال: الصلاة على وقتها، قلت: ثم أي؟ قال: بر الوالدين، قلت: ثم أي؟ قال: الجهاد في سبيل الله).
فمن أعظم أسباب السعادة بر الوالدين، والله تعالى إذا أراد أن يسعد الإنسان جعل قلبه معلقاً برضا والديه، فإذا كانا حبيبين نظر إليهما نظر الرحمة فيرحمهما عند المشيب والكبر، ورزقه الله انكسار القلب وهو يرى والده في آخر هذه الدنيا ضعيفاً سقيماً كبيراً، فألهمه بره والإحسان إليه، ونظر إلى أمه وهي ضعيفةٌ سقيمة في آخر أعتاب هذه الدنيا، فأحبها من كل قلبه، واشتغل ببرها بسائر جوارحه، ينتظر رضاها الصباح والمساء والعشي والإبكار، حتى يتأذن الله له بتمام الرضا، فكم من حوادث ووقائع رأى أهلها السعادة بفضل الله وحده ثم ببر الوالدين.
إذاً: بر الوالدين من أعظم أسباب السعادة، حتى ولو كانا ميتين، فإن كثرة الترحم عليهما والاستغفار لهما والصدقة عنهما من أسباب السعادة، ولذلك قال الرجل: (يا رسول الله! هل بقي من بري لوالدي شيءٌ أبرهما به بعد موتهما؟ -من رحمة الله أنه لم يقفل عليك هذا الباب الكريم وهو رضا الوالدين، حتى بعد موتهما- قال: نعم، الصلاة عليهما، والاستغفار لهما، وصلة الرحم التي لا توصل إلا بهما) والله لن ترى عبداً يبرُ والديه من أهل الإيمان إلا وجدته سعيداً قرير العين عن الله جل جلاله.