Q يذنب البعض ذنوباً كثيرة فإذا نُصح استشهد بقول النبي صلى الله عليه وآله وسلم في الحديث القدسي: (أنا عند ظن عبدي بي) فكيف يكون الرد على هؤلاء، جزاكم الله خيراً؟
صلى الله عليه وسلم لو أحسن الظن بالله ما عصى الله عز وجل، وقوله عليه الصلاة والسلام: يقول الله تعالى: (أنا عند حسن ظن عبدي بي)، هذا في سكرات الموت، فمن حضرته سكرات الموت وتخبطته الشياطين عند الموت فأحسن ظنه بالله كان له من الله فوق ما يرجو ويأمل.
ذكر شيخ الإسلام ابن تيمية عن رجل من عباد الله الصالحين، ذكره وسمَّاه وقد نسيت اسمه الآن، يقول: كان رجلاً كثير الخوف من الله عز وجل، حتى يقولون: إنه لما مرض مرض الموت أُخذ -أكرمكم الله- بوله إلى الأطباء، وكان الأطباء يعرفون بعض الأمراض بألوان البول، فلما رآه الطبيب قال: هذا المريض قطّع الخوف كبده، أو مزق الخوف كبده، وهذا من كثرة خوفه من الله عز وجل، فتوفي هذا الرجل الصالح، يقول فرؤي بعد الممات، كما حكى شيخ الإسلام ذلك، رؤي بعد مماته، فقيل: ما فعل الله بك؟ قال: أوقفني بين يديه، فقال: ما هذا يا عبدي ألم يبلغك أني أنا الغفور الرحيم؟!! أي: لماذا تخافني هذا الخوف وقد بلغك أني أنا الغفور الرحيم؟ وذكر أيضاً بعض العلماء: عن رجل من أهل العلم أنه توفي، وكان هذا العالم يتساهل في بعض الأمور، وكانت عنده زلات بينه وبين الله عز وجل، يقول: فكان يحسن الظن بالله عز وجل، فلما حضره الموت، يقول: أحسن الظن بالله تبارك وتعالى وكان عند موته يكثر من الاستغفار والتوبة ويسترحم ويستعطف الله عز وجل عليه، فشاء الله سبحانه وتعالى أن يُتوفى، فرؤي بعد مماته، فقيل له: ما فعل الله بك؟ قال: أوقفني بين يديه، وقال: يا عبدي ألم تفعل كذا وكذا؟ قال: يا رب! ما هكذا بلغنا عنك، -هو عالم من أهل العلم- قال: وما بلغك عني؟ قال: بلغني عنك أن رحمتك تسبق عذابك، قال: قد غفرت لك ذنبك.
فحسن الظن بالله عز وجل من الأمور المطلوبة، لكن ينبغي أن يقرن حسن الظن بالخوف، والله جعل أهل النجاة على جناحين، إذا كُسر أحدهما فإن الإنسان على عطب وهلاك، الخوف والرجاء، قال تعالى: {تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا} [السجدة:16]، {أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا يَحْذَرُ الآخِرَةَ وَيَرْجُوا رَحْمَةَ رَبِّهِ} [الزمر:9]، وما ذكر الله الجنة إلا أتبعها بالنار، وما ذكر النار إلا أتبعها بالجنة، حتى نكون على جناحي السلامة، ولذلك الخوف والرجاء كحافتي الطريق، إن بالغ في الخوف رده إلى الرجاء، وإن بالغ في الرجاء رده إلى الخوف، فمن غلب رجاؤه فإنه على هلاك، كمن يفعل المعاصي ويقول: إن الله غفور رحيم، فهذا يُخشى عليه أن يمكر الله به، وأن يستدرجه من حيث لا يحتسب، ولكن يقول: إن الله غفور رحيم، اللهم إني ظلمت نفسي، ويبكي ويندم ويظهر لله عز وجل الخوف، فإن هذا من كمال الأدب مع الله، وأيضاً إذا قوي خوفه يقرن بذلك حسن الظن بالله تعالى.
والله تعالى أعلم.