علاج العجب والغرور

Q ما هو السبيل إلى طرد خاطر العجب من القلب؟

صلى الله عليه وسلم باسم الله، الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه.

أما بعد: فإن العجب داء قاتل ما بُلي به إنسان إلا هان عند الله عز وجل، ولذلك ذكر الله عز وجل في كتابه أنه أهلك من ظلم، وأخبر أن سبب هلاكهم هو الغرور، فلذلك ينبغي للإنسان ألا يغتر، فإذا أنعم الله عليك بالمال فاكسر نفسك للكبير المتعال، وإذا أنعم الله عليك بالصحة فتذكر منّة الله عز وجل عليك بها، وأثن على الله عز وجل بما هو أهله، ولذلك كان أنبياء الله ورسله أعرف الناس بالله، وكان الواحد منهم إذا أعطاه الله نعمة خاف ألا يقوم بشكرها، فإذا كان عندك ذكاء أو فهم أو مال أو غنى أو جاه أو غير ذلك فلا تغتر، فكم من إنسان اغتر بماله فأتلفه الله بذلك المال، وكم من إنسان اغتر بصحته فمكر الله عز وجل به وجعل عاقبته من صحته التي اغتر بها وبالاً عظيماً، ألا ترى الرجل الشجاع يغتر بشجاعته حتى يسلط الله عليه من هو أقوى منه فيعاديه ويظن أن شجاعته تنقذه فتهلكه تلك الشجاعة، إياك أن تغتر، ولذلك كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم أكمل الأمة إيماناً يظهر لله عز وجل الفاقة والحاجة، وكان يقول: (يا حي يا قيوم برحمتك أستغيث أصلح لي شأني كله ولا تكلني إلى نفسي طرفة عين)، فلا تغتر بذكاء ولا بفهم ولا بحول ولا بقوة.

ولذلك ذكروا عن الإمام الماوردي رحمه الله -وهو إمام من أئمة العلم- له كتاب ثلاثون مجلداً في خلاف العلماء في الفقه دخل يوماً من الأيام المسجد وحدثته نفسه فقال: هل هنا مسألة في الفقه لا أعرفها؟ فاغتر بنفسه، فدخل إلى الدرس، فلما جلس بين طلابه، أرسل الله إليه امرأة معها صبية قد قاربت البلوغ فجاءت ووقفت على ذلك العالم الجليل فقالت له: يا شيخ! هنا مسألة في الحيض، فسألته عن مسألة من حيض هذه الصبية يقول: وإذا بي لا أحسن من الفقه شيئاً، فخذله الله، وحرمه فضله؛ لأنه اعتقد أن الفضل له، وظن أن ذكاءه وفهمه هو الذي ينجيه أو يعوِّل عليه، فأرسل الله إليه هذه المسألة البسيطة من مسائل الطهارة، يقول: فلم أدر لها جواباً، فأصبح الطلاب لما رأوا الشيخ أصابه الدهش لم يستطع أن يجيب، مندهشين وما استطاع أحدهم أن يقول: يا أمة الله! جواب المسألة كذا وكذا، فلما يئست المرأة من الجواب انصرفت، فلقت طالباً من طلابه المبتدئين، كان في بداية دخوله للمسجد، قالت له: أصلحك الله صبية أصابها من الحيض كذا وكذا، فما الحكم؟ قال: الحكم كذا وكذا، قالت له: أنت خير من هذا الذي جلس.

فالإنسان إذا اتكل على حوله وقوته وذكائه خذله الله عز وجل وأذكر عن بعض الصالحين أنه قال: دخلت إلى اختبار إحدى المواد وكنت أظن أنه لا أفهم مني، وليس هناك مسألة في هذه المادة إلا وسأجيب عليها، يقول: فلما وضعت الورقة بين يدي وإذا بي لا أحسن من المادة حرفاً واحداً، يقول: فأصابني من الرعب ما الله به عليم، يقول: والله! إني في شدة البرد أتفصد عرقاً مما أصابني، يقول: فلما وجدت ما وجدت علمت أنني أُتيت من قبل نفسي، فاستغفرت الله وتبت إليه، وفي لحظة واحدة كأن لم يكن بي بأس، فشرح الله صدري وأجبت في خلال نصف ساعة عن الأجوبة كلها.

فالإنسان إذا اغتر بنفسه فليعلم أن الله سيمتحنه، ولذلك انظر! ما من غني يغتر بماله إلا سلّط الله عليه مصيبة في المال وما من عالم يغتر بذكائه إلا سلّط الله عليه حرمان التوفيق في علمه، وما من مهتدٍ يغتر بهدايته إلا سلب الخشوع وسلب الإنابة إلى الله، فالمهم أنه لابد أن يبتلى؛ لأنه يظن أن الفضل له.

ولذلك كان السلف رحمهم الله يخافون من الغرور، وكان أبو هريرة رضي الله عنه يدخل ويحمل الحطب على ظهره أمام الناس في سوق الكوفة وهو أمير الكوفة رضي الله عنه وأرضاه؛ لكي يكسر نفسه، ولما أصاب الغرور عمر بن الخطاب -رضي الله عنه وأرضاه- حمل الحطب على ظهره؛ لكي يهين نفسه.

فلا ينبغي للإنسان أن يغتر بحوله وقوته، ولكن ينبغي عليه أن يتعلق بحول الله وقوته، ولذلك من الدعاء المأثور ومن ذكر الله الذي هو كنز من كنوز الجنة: (لا حول ولا قوة إلا بالله).

والوقفة الأخيرة مع الغرور، بأي شيء تغتر والأمور بعواقبها؟! هل أحد كشف لك عن الغيب فتعلم أن هذا الصلاح عاقبته حسن الخاتمة؟!! بل تأمل ذلك الذي كفر نعمة الله عز وجل واغتر بعلمه، فسلبه الله سبحانه وتعالى نعمه فانسلخ من آياته وكان من الغاوين والعياذ بالله! وكذلك أمية بن أبي الصلت لما كان آية في الفهم والعلم والذكاء، وجاء إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم لكنه حسده واغتر بنفسه فكان من الهالكين والعياذ بالله! ما الذي يدعو الإنسان إلى الغرور وهو لا يضمن العاقبة؟! الأمر الثاني: إذا قمت في الصلاة وأعجبك القيام أو أعجبك من نفسك الصيام، فتذكر أن العبرة بالقبول، فهل تعلم أن الله قبل طاعتك؟!! وهل تعلم أن الله قبل عبادتك؟!! فهذا أمر من الأهمية بمكان: علاج الغرور أن تنظر إلى العاقبة.

أيضاً مما يكسر الغرور في النفس: إذا أعطاك الله نعمة المال أوصيك أن تزور الفقراء.

وإذا أعطاك الله نعمة الصحة أوصيك أن تزور المرضى، تزور المستشفيات ولو يوماً واحداً، حتى ترى المريض الذي يتأوه من قدمه فتقول: الحمد لله الذي عافاني في قدمي، والذي يتأوه من سمعه وبصره فتعلم أن الصحة لا تغني عنك من الله شيئاً، وتجد الرجل من أشد ما يكون عافية وقوة وفي طرفة عين يبتليه الله بالبلاء فيصير من أضعف عباد الله عز وجل، وتجده ذليلاً حتى في كلامه إذا تكلم.

فلذلك ينبغي للإنسان أن يسلم الأمر لله، وأن يعتقد صدق الاعتقاد أنه لا حول ولا قوة إلا بالله.

والله تعالى أعلم.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015