وأما الموقف الرابع فقد بين النبي صلى الله عليه وآله وسلم خبره، فهو ما بعد نفخة الصور، وما بعد هول البعث والنشور، وهو الموقف للحساب، فقد صح عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قوله: (إن الله تبارك وتعالى يجمع الأولين والآخرين في صعيدٍ واحد، فينزل العرق في الأرض سبعين ذراعاً) فلو تذكّر الإنسان ذلك الموقف عندما يكون واقفاً بين يدي الله تبارك وتعالى ليس له ظلٌ إلا العمل الصالح، ليس له شفيع ولا موجب لذهاب ذلك الهم والغم سوى عمله الصالح، وتلك الطاعات والقربات، فهي التي تزيل عن العبد لفح شمس يوم الدين، وتزيل عنه همه وغمه، فقد ثبت في الحديث الصحيح عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أن الله جل وعلا يجعل ذلك اليوم على العبد المؤمن كأنه ساعة واحدة {وَإِنَّ يَوْمًا عِنْدَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ} [الحج:47] يمر على العبد كاللحظة الواحدة إذا كان مؤمناً.
إن هذه المواقف ليس فيها شفيع ولا عملٌ تتبدى به عند لقاء الله عز وجل أجلّ وأسمى من فعل الطاعات والتقرب إلى الله تبارك وتعالى بها، وفي الحديث الصحيح عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم وقد ذكر الله تعالى من أخبار عباد الله الذين جدّوا واجتهدوا في مرضاة الله بأنهم بعيدون عن تلك اللفحات، حيث قال سبحانه: {إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنَى أُوْلَئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ * لا يَسْمَعُونَ حَسِيسَهَا وَهُمْ فِي مَا اشْتَهَتْ أَنفُسُهُمْ خَالِدُونَ * لا يَحْزُنُهُمُ الْفَزَعُ الأَكْبَرُ وَتَتَلَقَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ هَذَا يَوْمُكُمُ الَّذِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ} [الأنبياء:101 - 103] إذا لقي العبد تلك الشدائد ثم وجد من تيسير الله عز وجل فذلك بفضل الله أولاً، ثم بصلاح قوله وعمله.
وفي الحديث الصحيح عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: (يقول الله تعالى: أين المتحابون بجلالي؟ اليوم أُظلهم في ظلي يوم لا ظل إلا ظلي) المحبة في القلوب أوجبت للعبد في ذلك الموقف الرهيب العصيب شفاعة بين يدي الله عز وجل، فكيف بمن جد في الطاعات وشمّر في المرضاة؟!