إخواني! هذه وصية أقولها لأننا تمزقنا، أقولها لأننا تفرقنا، لأنه دخلت بيننا دواخل كثيرة وأصبحنا والله نعايش آلاما، أصبح الإنسان في بعض الأحيان يشتكي أموراً والله قد لا تحصل بين أهل الدنيا، وتعتبر من أهم الأمور الموجبة للقطيعة فكيف بأهل الإيمان؟ لماذا هذه الشحناء ولماذا هذه البغضاء؟ هل يتصور إنسان مسلم أخاه لله وفي الله سمته سمت صالح يمر ولا يسلم عليه؟ والله إنه لأمر لا يمكن أن يحتمله قلب، لا أتحمل إنساناً مسلماً يمر سمته الصلاح ولا يسلم علي أو لا أسلم عليه، أعتبرها كأنها جريمة، وهي ليست جريمة في الشرع بل السلام مندوب ومطلوب، ولكن هذه الأمور من دعائم الإيمان، وهذا يدل على ضعف الإيمان في القلوب، ولذلك ينبغي أن نحيي هذا الأمر، والله تبارك وتعالى بين أنه يوجد في كتابه وسنة نبيه صلوات الله وسلامه عليه ما يجمع القلوب، ولذلك ليس هناك أخوة أصدق من أخوة أهل الإيمان، وليس هناك أخوة أصدق من أخوة المسلمين بعضهم مع بعض، فلذلك إخواني! أمامنا كتاب الله الذي هو الحبل بيننا والرابطة لنا، عليها نجتمع، وعليها نأتلف، ومن أجلها نقول، وبها نصول ونجول.
هي كلمة الله؛ كلنا قد رضي بالله رباً وبالإسلام ديناً، وبمحمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نبياً ورسولاً.
ما المانع أن يهش المؤمن لأخيه إذا لقيه وأن يسأله عن حاله، وأن يتفقده ولو لم يكن يعرفه؛ لأن ذلك من أدعى ما يكون من وشائج الإيمان.
تصور لو أن إنساناً غريباً نزل بين المسلمين -وهو مسلم- فوجد هذا يسلم عليه، ووجد هذا يهش له ويبش، كيف يكون أثر الإيمان؟ يزداد إيماناً ويزداد ثباتاً.
لكن، نخشى والله أن نكون حجر عثرة أمام المهتدين إلى طاعته، والله نخشى من ذلك، ولذلك عندي وصية أخيرة أوصيكم بها ونفسي، وأوصي الدعاة والمربين والإخوان بها.
الشباب المهتدون الذين هم في بداية الطريق إلى الله، أوصيكم يا إخوان، وأوصيكم أن توصوا إخوانكم بهم خيراً، والله إنهم أمانة في أعناقنا، الشاب إذا ابتدأ في الهداية يكون عنده طاقة عجيبة من الإيمان فأقل شيء قد يؤثر عليه، وأقل تصرف من الصدود أو الإعراض أوالاحتقار أو النظر إليه كأنه حديث عهد بجاهلية، يكون له أثر لا يعلمه إلا الله، وقد انتكس البعض -والعياذ بالله- وهو في ميزان سيئات من كان السبب في انتكاسته والعياذ بالله، فإياك أن تكون رحمك الله ذلك الرجل الذي يكون حجر عثرة في طاعة الله ومرضاة الله.
افتح صدرك لعبد يريد أن يقبل على الله وإذا لم تنفتح صدورنا لأمثال هؤلاء التائبين المنيبين المنكسرين لرحمة رب العالمين فلمن تنفتح؟ وأقسم بالله العظيم أنني أعرف بعض المجالس للتائبين حديثي التوبة أجد فيها من الرقة والخشوع وحلاوة الإيمان ما لا أجده في بعض الأحيان في مجالس بعض طلاب العلم، أقولها عن تجربة! وجدت فيهم من الصدق ومن حلاوة الإيمان شيئاً عجيباً، وفيهم خصال عجيبة من الإقبال على الهداية وتحس كأنه يريد أن يبتلعك من شدة ملازمتك، فبعض الأحيان يتضايق بعض الشباب يحس أنه دائماً وراءه وراءه يسأل ويقول: ما هذا الرجل؟ فسرعان ما ينفر منه، لا.
إياك أن تنفر منه، يعطيك بعضه أعطه كلك، يعطيك شيئاً يسيراً أعطه شيئاً كثيراً، فوالله ما وجدنا في ذلك إلا كل خير، ومن فتح لهم صدره فإنه مرحوم برحمة الله، وهو الموفق وهو السعيد، فالله تعالى يعاتب نبيه من فوق سبع سماوات على أعمى جاء يريد من يهديه إلى سواء السبيل، وهو لم يهتد يريد من يهديه، عاتبه الله من فوق سبع سماوات، سبحان الله! فكيف بمن اهتدى؟ {عَبَسَ وَتَوَلَّى * أَنْ جَاءَهُ الْأَعْمَى * وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّى} [عبس:1 - 3] إلى الآن ما اهتدى {وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّى * أوْ يَذَّكَّرُ فَتَنْفَعَهُ الذِّكْرَى} [عبس:3 - 4] يعاتبه الله عز وجل في ذلك وهو ما اهتدى فكيف بمن اهتدى؟ ولذلك والله أخشى في بعض الأحيان منهم، أخشى أن أحدهم يكون سبباً في طريق لي إلى النار إذا قصرت معه، والله لا أقولها مبالغة، أخشى أن تخرج مني فلتة يغضب الله عزوجل عليّ بها أو يمقتني الله عز وجل بشاب يمتلئ قلبه من الإيمان، يريد أن يتوجه إلى الله فآتيه بكلمة تثبطه عن طاعة الله، أو آتيه بكلمة تحقره أو آتيه بكلمة أقتل فيه روح الإيمان والحماس في طاعة الله، هذه وصية أقولها عن معاناة الشباب حديث العهد بطاعة الله، افتحوا لهم صدوركم، وحببوهم واشرحوا لهم الصدور.
فبعض الإخوان لا يألف إلا لإخوان لهم قدم سابقة في الهداية، والله ما ندري من المقبول ولا ندري من المحروم والأمور مردها إلى الله، فلا تحتقر عبداً يريد أن ينيب إلى الله؛ فإن الله عز وجل نهى نبيه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن يعرض عن مجالس أمثال هؤلاء فلذلك هذه وصية أقولها عن معاناة عاناها بعض الشباب واشتكى من ذلك.
فرفقاً رفقاً يا دعاة الإسلام، ورفقاً يا هداة الإسلام، ورفقاً يا أساتذة، ورفقاً يا معلمين، رفقاً يا مربين، فكل مسلم مطالب أن يرفق بأمثال هؤلاء المهتدين، وأن يحس بأنه على خير، إذا جلس مع مثل هؤلاء أشعره بأنه قد أصاب خيراً، وأنه قد أصاب رحمة من رحمات الله، وينبغي أن تشعره أنه في بداية طريق خاتمته السعادة الحقيقية ونهايته الفوز برضوان الله تبارك وتعالى.
أسأل الله العظيم رب العرش الكريم أن يجعلنا وإياكم من المؤمنين الذين حققوا الإيمان صدقاً، ونسأله تعالى أن يجعلنا وإياكم من المتحابين في جلاله الذين يظلهم في ظله يوم لا ظل إلا ظله إنه ولي ذلك والقادر عليه.
وختاماً جزى الله من تسبب في هذا المجلس المبارك كل خير، والله تعالى أعلم، وصلى الله وسلم على نبينا محمد.