دواء خلو الصلاة من الخشوع

Q أحب أن تبين لي قضية الخشوع في الصلاة، فإن الإنسان يصلي الصلاة ثم يخرج منها وقد خرج بأفكار وخطط وأعمال، وأما الصلاة فإنه قد لا يدرك إلا القليل منها، فإذا كان هذا الداء فما الدواء؟

صلى الله عليه وسلم باسم الله، الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه.

أما بعد: فجزاك الله خيراً على هذا السؤال الذي هو من أهم الأسئلة لتعلقه بالصلاة.

أما الخشوع في الصلاة فهي نعمة إلهية، ومنة ربانية يمنحها الله من يشاء، وذلك فضله، ونعم والله العطاء يوم يكرم الله العبد فيقبل على الله بقلبه وقالبه يوم يقبل على الله جل وعلا يستشعر هيبة الموقف بين يديه جل جلاله.

أوصيك أخي في الله إذا دخلت إلى بيت من بيوت الله فادخله وليس في قلبك إلا الله، أثر عن بعض السلف أنه أكثر من عشرين عاماً ما سها في صلاة واحدة، فقيل: لقد أممت في أكثر من عشرين عاماً ما سهوت في صلاة واحدة فقال: والله الذي لا إله إلا هو ما دخلت المسجد وفي قلبي غير الله.

أن تدخل إلى هذه المساجد وأنت على عقيدة وإيمان أنها لله لا للدنيا أن تدخلها وأنت ترعد فرائصك من خشية الله جل جلاله أن تخاف المقام بين يدي الله.

كان علي زين العابدين إذا توضأ احمر وجهه وتغير لونه، فقيل: ما هذا الذي يعتريك عند الوضوء؟ قال: ألا تدرون من الذي أناجيه وأقف بين يديه.

كان السلف الصالح رحمة الله عليهم يدخلون بيوت الله بقلوب نقية، بقلوب خالية ليس فيها إلا الله، يشترون رحمة الله بكل عمل صالح، وهذا من أعظم الدلائل على الإخلاص لوجه الله جل جلاله.

فإذا دخلت المسجد وقلبك معمور بذكر الله انشغلت عن كل شيء سوى الله، وقد أثر عن مسلم بن يسار رحمه الله -إمام من أئمة التابعين علماً وصلاحاً وخيراً- أنه كان يصلي في مسجده بالكوفة، فسقط المسجد -وذلك في الضحى- فهرع الناس من السوق يقولون: هلك مسلم، فلما جاءوا وجدوه يتشهد وسلَّم من صلاته فقال: والله ما شعرت به إلا بعد السلام.

نصف المسجد يسقط ولا يشعر به من لذة مناجاة الله، كانوا إذا دخلوا دخلوا بقلوب فارغة ليس فيها إلا الله سبحانه وتعالى.

الأمر الثاني: أخي في الله! تذكر هذه الصلاة يوم يجعلها الله لك نوراً في القبرِ، تذكر يوم يجعلها الله لك نوراً في الحشر، فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (الصلاة نور) الصلاة نور أي: نور في القبور، ونور يوم البعث والنشور، وهذا النور أحوج ما يحتاجه الإنسان، فإن للقبور ظلمة، نسأل الله العظيم بعزته وجلاله وكماله أن يكفينا ظلمتها ووحشتها، ولا يستطيع الإنسان أن يجد لتلك الظلمة نوراً إلا من فضل الله جل جلاله ورحمته وحلمه به سبحانه وتعالى، فلا إله إلا الله من قوم أدوا الصلاة على أتم وجوهها أصبحت عليهم القبور اليوم أنواراً، الصلاة نور واستشعار عظيم الأجر بها، وأنها ستكون لك نوراً بالقبر ونوراً في الحشر ونوراً لك على الصراط، ذلك يدعوك إلى إتقانها وإكمالها، فاستشعر هذا.

أولاً: لا تدخل إلى المسجد وفي قلبك غير الله.

ثانيا: اشعر بحاجتك إلى هذه الصلاة، ودائماً إذا تذكر الإنسان القبر وهول القبر، وأنه ستمر عليه مثل هذه اللحظة وهو ضجيع القبر أحوج ما يكون إلى ما يؤنسه، دعاه والله ذلك إلى استشعار هيبة الموقف بين يدي الله جل جلاله.

الأمر الثالث: أن تصلي صلاة المودع، أن تجعل هذا الصلاة ولو كانت سنة، اجعلها آخر عهدك من الدنيا، فإن العبد إذا صلَّى صلاة مودع فإن الله جل وعلا يرزقه الخشوع، ويرزقه إحسان هذه الصلاة وإتقانها.

الأمر الرابع: استشعر عواقبها الحميدة، فوالله ما أديت الصلاة على أكمل خشوع إلا حفظك الله به، ولذلك أخبر الله جل وعلا أن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر، لكنه قال: {وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخَاشِعِينَ} [البقرة:45] من هم يا رب {الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلاقُو رَبِّهِمْ وَأَنَّهُمْ إِلَيْهِ رَاجِعُونَ} [البقرة:46] حتى قال بعض العلماء: إن هذه الآية تدل على أن الخشوع في الصلاة سببه وأساسه كثرة ذكر الآخرة {الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلاقُو رَبِّهِمْ} [البقرة:46] يظنون بمعنى: يوقنون، كقوله تعالى: {إِنِّي ظَنَنْتُ أَنِّي مُلاقٍ حِسَابِيَهْ} [الحاقة:20] فالظن يستعمل بمعنى اليقين أي: توقن بلقاء الله، وذلك يدعوك إلى إتقان الصلاة بين يدي الله جل وعلا.

الأمر الخامس: الحياء والخجل وأنت تقف بين يدي الله وقلبك مصروف إليه، يخجل الإنسان ويستحي من الله جل جلاله، حين يقول: الله أكبر ويقبل على الله ملك الملوك، وجبار السماوات والأرض، ومن بيده ملكوت كل شيء سبحانه لا إله إلا هو، الذي لا أعظم من نعمته ولا أجل من منته، ومع ذلك يجد الإنسان أنه فضله وأكرمه أنه يقف بين يديه، وهو يقول: الله أكبر ودون حياء ولا خجل ولا وجل ينصرف إلى دنيا فانية ومتاع حائل وظل زائل، فإنا لله وإنا إليه راجعون! صدق الله يوم أن قال: {وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ} [الأنعام:91] إيه والله ما قدرنا الله حق قدره، ولكن نسأل الله بعزته وجلاله أن يرزقنا وإياكم تعظيمه، ونعوذ به من عين لا تدمع، ومن دعاء لا يسمع، ومن علم لا ينتفع به، استعذ بالله جل جلاله، سل الله يعطك، سل الله أن يرزقك خشوع العبادة، فوالله إن القلوب بين إصبعين من أصابعه وفي طرفة عين لربما قلبك فأصبحت من الخاشعين، إذا دخلت الصلاة تمنيت أن حياتك كلها صلاة فاسأل الله يعطك فإنها خزائن ورحمات من الله ينفح بها من يشاء.

نسأل الله العظيم رب العرش الكريم أن يجعلنا وإياكم من أهل هذا الفضل وهذا العطاء والنوال، والله تعالى أعلم.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015