الوصية الرابعة التي تعين على البعد من هذه الآفات: القرب من العلماء الصالحين، فكلما وجدت الشاب الصالح اهتدى؛ ثم اقترب من العلماء فاعلم أن الله قبل هدايته، لكن يقترب الإنسان من العلماء بالمحبة والمودة والتوقير والإجلال وذكرهم بالجميل وتعطير المجالس بذكرهم الحسن وأخلاقهم وآدابهم؛ حتى ينتفع الناس ويكون قرب الإنسان منهم رحمة له ولغيره، لا يقترب مغتراً كما ذكر الإمام ابن القيم رحمه الله أن كثيراً من أهل الفسوق اغتروا بصحبة الصالحين؛ فهلكوا بتلك الصحبة.
فالقرب من العلماء والصالحين، ينبغي على الإنسان أن يحذر فيه وأن يكون هذا القرب بالمحبة والمودة الصادقة التي عله أن ينال بها ذلك الشرف الذي أخبر النبي صلى الله عليه وسلم عنه في حديث أنس في الصحيحين، حديث الأعرابي الذي جاء -أعرابي عامي ليس عنده كثير صلاةٍ ولا صيام- إلى النبي صلى الله عليه وسلم بذلك القلب المنكسر والنفس المتعطشة المتلهفة؛ يشكو إليه ذلك الشجن في قلبه فقال: (يا رسول الله! المرء يحب القوم ولما يعمل بعملهم، فقال صلى الله عليه وسلم: المرء مع من أحب).
فالذي يحب العلماء ويبادل العلماء المحبة والمودة والتقدير والتوقير والإجلال، يغفر زلاتهم وينشر خيراتهم ولا يتتبع عثراتهم، ولا يشهر في المجالس بأخطائهم، يبادلهم المحبة الصادقة؛ فإن الله ينفع بذلك، ولذلك أقرب الناس من الخير بعد العلماء هم طلاب العلم، ومثل العلماء لذلك بالعين؛ فإن أخصب مكانٍ في أرض الله جل وعلا منفعة بتلك العين ما كان قريباً منها، ولذلك قلَّ أن تجد عيناً للماء إلا وجانباها قد اعشوشب من ذلك الماء، فتجد أكمل خضرة وأجمل خضرة على الأرض من ماء تلك العين ما كان قريباً من العين، وكذلك ينبغي لطالب العلم أن يقترب ويكون تحت كرسي العالم، ويتقرب إلى الله والله يشهد أنه ما اقترب إلا لوجهه؛ وما اقترب إلا لرحمته؛ فلعله إذا اقترب أن يجلس ذلك المجلس الذي تبدل فيه سيئاته حسنات، وما من أحد إلا وعنده زلات وهلات، فإذا أصبح حريصاً على مجالس العلماء يغفر له في كل مجلس يجلسه، قالوا: (يا ربنا إن فيهم فلاناً عبد خطاء كثير الذنوب مر وجلس معهم، قال: وله قد غفرت هم القوم لا يشقى بهم جليسهم) فإذا كان هذا مر وجلس؛ فكيف بمن لزم ذلك المكان تحت قدم العالم يتقرب إلى الله جل وعلا دون غلوٍ ولا تنطع؛ هذه نعمة كبيرة وفضل عظيم؛ ولذلك تجد أقرب الناس إلى الخير طلاب العلم الأخيار.
وينبغي أن يقترب الإنسان من العلماء بقلب صافٍ من ناحية الغل والبعد عن العجب، يقترب وهو يتذلل لله تعالى بهذا القرب علَّ الله أن يرفع درجته، وأن يعظم أجره وأن يضاعف حسنته، نسأل الله العظيم أن يجعلنا وإياكم ذلك الرجل.