Q فضيلة الشيخ! هناك رجل يسكن بعيداً عن والديه أي: أنه في بلدٍ ووالدَيه في بلد أخرى، ولم يزرهم منذ ثمان سنوات، علماً بأن هذا الغياب كان لظروفه الخاصة، حيث إنه يريد تكوين نفسه وجمع بعض المال، ومن ثَمَّ السفر إلى بلده ليعيش هناك، ويبني مستقبلاً أفضل كما يقول، فما هي نصيحتك له يا شيخ، علماً بأن والده قد توفي؟
صلى الله عليه وسلم لا حول ولا قوة إلا بالله! عَظَّم الله أجرك في هذا العقوق، وهذا القلب القاسي الذي لا يتقي الله في الوالدين، ثمان سنوات تحرم والديك رؤيتك؟! أما تتقي الله جل جلاله؟! وأي مستقبل ترجوه؟! وأي مستقبل تؤمِّله؛ لو أن الله عز وجل غضب عليك ومَقَتَك بسبب والديك؟! المستقبلُ الذي تنتظره مفاتيحُه البر، ومن أعظم أسباب نجاحك وفلاحك بر الوالدين، ومَن بر والديه كفاه الله همَّ دِينه ودنياه وآخرته، فكم مِن ابن أصبح وأمسى ووالداه راضيان عنه! قد رَفَعَا له أَكُفَّ الدعاء بأدعية لن تُرَدَّ من عند الله جل جلاله، فحاز سعادتي الدنيا والآخرة! أي مصيبة أعظم إذا فتنتك الدنيا وألهتك عن هذا الحق العظيم؟! أما ما ذكرتَه من كونك تغربتَ للأموال وللمستقبل الذي تزعمه فليس ذلك عذراً في الانقطاع عن الوالدين إلا إذا أذِنا، وإذا أذِنا فابكِ بكاءً حاراً من قلبك على فَقد رؤية الوالدين، ابكِ على ذنب حرمك الله بسببه أن تكون بجوار والديك، ولو كنتَ في وظيفة، أو في عمل؛ فإن هذا ابتلاءٌ من الله جل وعلا.
إن من أجل نعم الله أن يوفَّق العبد إلى القرب من الوالد والوالدة، فابكِ على ذنب حال بينك وبين هذا الباب من أبواب الجنة.
هذه الوصية الأولى.
أما الوصية الثانية: فأوصيك من الليلة أن تفكر في طريق الرجوع إلى الوالدَين، وكفى ما مضى، وأقبِل على والدتك وأدخِل السرور عليها، واسأل الله أن يتجاوز عما كان منك من التقصير في حق أبيك؛ وليكن رجوعك عن هذا الذنب العظيم أن تكثر له من الدعوات، وأن تسأل الله عز وجل أن يسبغ عليه شآبيب الرحمات.
أدرك بر والديك بالرجوع إلى والدتك، وكفى ما مضى من الأمور التي كنت فيها، وما كان من الخير الذي أصبته من الدنيا ففيه الخير، فعُد إلى أهلك وأنْعِم عينيك ببر والدتك، قال: (يا رسول الله! أقبلت من اليمن أبايعك على الهجرة والجهاد، فقال صلى الله عليه وسلم: أَحَيَّةٌ أمُّك؟ قال: نعم، قال: فالزم رِجْلها، فإن الجنة ثَمَّ) فالزم رِجْل والدتك، وعُدْ إلى والدتك، واسألها أن تعفو عما كان منك من غابر الزمن.
والله تعالى أعلم.