ينبغي للعالم أن يتعاطى الأسباب لقبول علمه حيث أن الكلمة الطيبة من العالم طيبة ومؤثرة ومقبولة عند الناس، ومن رفع الله قدره بالعلم فطيب كلامه وأصبح يوجه الناس بالكلمات المؤثرة فإن الله يعظم أجره بعلمه، ولذلك كان صلى الله عليه وسلم لا يجرح الناس، وكان صلى الله عليه وسلم لا يؤذي الناس بلسانه، جعل نبوته ورسالته مليئة بالعطف والحنان حتى في الكلمة التي يلقيها ناصحاً ومؤثراً، كان صلى الله عليه وسلم إذا رقى منبره يقول وهو يثرِّب على أقوامٍ فيما أخطئوا فيه: (ما بال أقوام) ما كان صلى الله عليه وسلم صخاباً ولا لعاناً، ولما قنت يدعو على رعل وذكوان وعصية التي عصت الله ورسوله أنزل الله عليه: {لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذِّبَهُمْ فَإِنَّهُمْ ظَالِمُونَ} [آل عمران:128] وفي السير: أنه أوحي إليه إننا لم نبعثك صخاباً ولا لعاناً إنما بعثناك رحمة للعالمين، فكان صلى الله عليه وسلم في إلفه وتواضعه نموذجاًَ لكل عالم.
أتى عدي بن حاتم الطائي رضي الله عنه وأرضاه، وهو على النصرانية، أتى يريد أن يرى حال النبي صلى الله عليه وسلم، وحال هذا المعلم الفاضل الكامل صلى الله عليه وسلم وذلك بعد أن كتبت له أخته سفّانة تصف له ما كان عليه صلى الله عليه وسلم، فلما أتى عليه قال: [فمضيت معه، فاستوقفته امرأة وهو في الطريق] استوقفت المعلم المربي وهادي الأمة ودالها على الخير، قال: [فوقف لها حتى قضى حاجتها، فقلت: والله ما هذه إلا أخلاق الأنبياء؛ قال: ثم انطلق فاستوقفه صبي فوقف معه، والله ما نزع يده من يده حتى قضى له حاجته، فقلت: والله ما هذه إلا أخلاق الأنبياء، قال: فلما دخلت البيت رمى لي بعرض الوسادة إكراماً لـ عدي؛ لأن الضيف يكرم ضيفه وهذه من شيم المسلم، فقلت والله ما هذه إلا أخلاق الأنبياء أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أنك رسول الله] فأسلم رضي الله عنه وأرضاه.
وأسر ثمامة بن أثال وربطه في المسجد ثلاثة أيام؛ لكي يرى النبي صلى الله عليه وسلم مع أصحابه، ويرى مدرسة الإسلام الأولى، ورسول صلى الله عليه وسلم يوجه ويعلم ويسدد ويدل على الخير، فلما مضت الثلاثة الأيام وفي كل يوم يقول: (ما وراءك يا ثمامة؟ فقال له: إن تقتل تقتل ذا دم، وإن تعفو، تعفو عن كريم -أي: من لا ينسى الفضل- فقال: أطلقوا ثمامة، فانطلق ثمامة رضي الله عنه إلى الحائط) انطلق لا مجبراً على الإسلام ولا مكرهاً عليه، انطلق بمحض اختياره، لكن قلبه مأسور بمحبة رسول الله صلى الله عليه وسلم فاغتسل بالحائط ثم جاء ووقف على رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: [يا محمد: لقد كان دينك أبغض الأديان إلي، ووجهك أبغض الوجوه إلي، فأصبح دينك أحب الأديان إلي، ووجهك أحب الوجوه إلي] حينما رأى الشمائل والفضائل والآداب، حينما رأى التعليم على أكمل ما يكون من رسول الأمة صلى الله عليه وسلم.
إن القلوب تُملك بالأخلاق وبالآداب، فإذا تحلى العالم بالخلق الكريم أحبته القلوب وألفته واقتربت منه وأحست أنه خليقٌ بالحب والود والإجلال والإكرام.
إن العالم إذا سعى فإن للناس عليه حقوقاً فيجعل من يجلس معه أنه يحبه ويريد له خيراً فيتواضع له، وكأنه يشعر أن الفضل للناس وليس له، فإذا شعر بذلك تواضع للناس، وكان حليفاً قريباً من الناس، نسأل الله العظيم رب العرش الكريم أن يوفقنا لذلك، وأن يجعلنا من أهله إنه ولي ذلك والقادر عليه.