Q ما هو أول واجب على الإنسان؟
صلى الله عليه وسلم ذكرنا أنه يجب عليه النظر، لكن لم يتعلق كلامنا: هل هو أول ما يجب عليه أو دون ذلك؟ وهذا محل خلاف طويل بين أهل العلم في أول واجب على المكلف، وهذا الخلاف نظراً لما طرحه السيوطي رحمه الله فقال: أول واجب على المكلف معرفة الله وقيل الفكر في دليله وقيل الأول النظر وقيل قصده إليه المعتبر وهذه كلها أقوال لأهل العلم لكن مفادها واحد.
المهم أن أول الأمر هو الإيمان، وهذا الإيمان يترتب على مراحل قبله لا يحصل اليقين إلا بالدخول فيه، كذلك فإن الإيمان لا يتم إلا بعد حصول القناعة بأن الإيمان ليس شيئاً يأتي في لحظة واحدة أو طرفة عين أو بمجرد النطق، بما أنه شعب كثيرة، فهو أول واجب لكنه مع هذا متفاوت متدرج.
ولهذا قالت طائفة: (أول واجب على المكلف معرفة الله)، وهذا لا شك أنه أعظم واجب، لكن هل هو أول ما يوجه إليك الخطاب به؟ هذا هدف، والهدف لابد قبله من وسائل.
(وقيل: التفكر في دليله)، أي: قالت طائفة من أهل العلم: أول واجب على المكلف هو التفكر في دليل وجود الله؛ لأنه هو الذي يقود إلى الإيمان والإيمان يقود إلى اليقين.
(وقيل: الأول النظر)، أي: وقالت طائفة: بل الفكر مرحلة متقدمة يسبقها النظر، فهو أول واجب، هذا على القول بتجزئة التفكير، ويدل لهذا آيات سورة الطور، قال الله تعالى: {فَذَكِّرْ فَمَا أَنْتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِكَاهِنٍ وَلا مَجْنُونٍ * أَمْ يَقُولُونَ شَاعِرٌ نَتَرَبَّصُ بِهِ رَيْبَ الْمَنُونِ * قُلْ تَرَبَّصُوا فَإِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُتَرَبِّصِينَ * أَمْ تَأْمُرُهُمْ أَحْلامُهُمْ بِهَذَا أَمْ هُمْ قَوْمٌ طَاغُونَ * أَمْ يَقُولُونَ تَقَوَّلَهُ بَل لا يُؤْمِنُونَ * فَلْيَأْتُوا بِحَدِيثٍ مِثْلِهِ إِنْ كَانُوا صَادِقِينَ} [الطور:29 - 34]، إلى آخر الآيات.
قد سبق بيان مراتبها في درس ماض، وبيان أن كل دليل من هذه ينبني عليه ما بعده، بإعجاز عجيب جداً.
(وقيل: قصده إليه معتبر)، هذا هو القول الرابع: أن مجرد نية التفكر هو أول واجب؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم يقول: (إنما الأعمال بالنيات)، فلو حصل التفكر دون نية له لم يكن واجباً.
هذه الأقوال مردها إلى شيء واحد، ونحن لم نخض في هذه؛ لأن الشيخ ما تعرض لها هنا، وهي مسألة كلامية في الواقع لا يمكن حسمها بسهولة؛ لأن كل قول عليه أدلة، والأقوال كلها في معناها متقاربة.
وبالنسبة لمن يقول: هذا الكلام مصطلحات ما عرفها السلف، يقال له أيضاً: حتى كلمة (مصطلح) التي ينطقها ما عرفها السلف، وحتى كلمة (السلف ما عرفوها)، كل هذه مصطلحات، والكلام لابد فيه من هذا وهو سنة الله الكونية في الكون كله.
وبالنسبة للواجبات لاشك أن الله سبحانه وتعالى فرض فرائض وأوجب واجبات، ولاشك أن هذه متدرجة متفاوتة، ولاشك أن دخولك في الإيمان ونطقك بالشهادتين موجب عليك حقوقاً، وهذه الحقوق متدرجة مترتبة، لكننا في الصلاة نعرف أول واجب منها، على الخلاف فيه أيضاً، فما هو أول واجب منها؟ أول واجب منها تكبيرة الإحرام، وهذا القول قال به بعض أهل العلم لكن أنكر عليه بأنه يجب القيام قبلها؛ لأن التكبيرة لابد أن تكون بعد القيام، والنية مصاحبة لها؛ لأن النية مع نفس التكبير، وقالت طائفة أخرى: الواجب غير تكبيرة الإحرام، وهو الطهارة، والطهارة ما هي الواجبة منها؟ هل هي الوضوء؟ فأول واجب منها: غسل الوجه، وقالت طائفة: بل الاستنجاء والاستجمار واجب سابق عليه، وهكذا.
إذاً: الأقوال مثل هذه وترتيبها مثل ترتيبنا نحن للفقه، وما عرفه السلف، ولا عرفوا أن باب الطهارة قبل باب المواقيت، وأن باب المواقيت قبل باب فرائض الصلاة، وأن باب فرائض الصلاة قبل استقبال القبلة وهكذا هذه ما عرفها السلف، لكن لا نستغني نحن عن هذا، ومن أنكر هذا الترتيب فيما يتعلق بأول واجب على المكلف ينبغي أن ينكر أيضاً الترتيب بين أبواب الطهارة والصلاة والجنائز والزكاة والحج والصوم؛ لأن مجرد أن السلف ما عرفوا هذه ليس حجة، وارجع أنت إلى حياتهم وكن في عصرهم واترك عنك حتى ما توصل إليه العلم الحديث وما توصلت إليه الدنيا السائرة كلها، وارجع إلى هناك فانظر هل تحتاج إلى مثل هذا أو لا؟ لكن الاختراع وليد الحاجة، والزمن مستمر متقدم وقطاره منطلق، وكل عصر يحتاج أهله إلى كثير من الأمور لا يحتاج إليها من سبقه.
وبالنسبة لترتيب الواجبات وكذلك ترتيب العلوم، هو من الوسائل المتخصصة التي تبقى لأهل الاختصاص وإنما يبحثها طلاب العلم وأهله فقط، أما بالنسبة لمن يدعى إلى الإسلام فلا يقال له أولاً: لابد أن تنوي الدخول في الإسلام، ولابد أن تنوي الاغتسال، ولابد أن تنوي الصلاة، بل نجعله يصلي أولاً في البداية حتى لو كانت الصلاة باطلة في حق غيره، ولذلك يتجاوز عن الشخص الحديث عهد بالإسلام حتى في مسائل العقائد.
ولما تزوج منظور بن زبان بن سنان بزوجة أبيه مليكة في خلافة عمر، ورفع الأمر إلى عمر سأله: هل قرأت عليك سورة النساء؟ فقال: لا.
فحلفه خمسين يميناً ما سمع سورة النساء، وفيها قول الله تعالى: {وَلا تَنكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ مِنَ النِّسَاءِ إِلَّا مَا قَدْ سَلَفَ} [النساء:22]، ثم رفع عنه الحد بذلك، ولذلك فحديث العهد بالكفر يعفى عنه في بعض الأمور فقط، ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم: (لولا قومك حديثو عهد بكفر لبنيت الكعبة على قواعد إبراهيم)، ولذلك فإن منظور بن زبان بن سنان يقول: ألا لا أبالي اليوم ما صنع الدهر إذا منعت مني مليكة والخمر