تذكر قرب الفرج

ثامناً: تذكر قرب الفرج: فالفرج إنما يأتي مع الشدة، والنصر إنما يكون مع الصبر كما بين ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم، والله تعالى يقول في كتابه: {فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا * إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا} [الشرح:5 - 6]، وقال تعالى: {إِنَّ رَحْمَةَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ} [الأعراف:56]، وقال: {أَلا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ} [البقرة:214].

فليتذكر الإنسان قرب الفرج، وأن الهم والمحنة إنما هي بأمر الله، وتقريبها وتصريفها وتغييرها بيده {إِنَّمَا قَوْلُنَا لِشَيْءٍ إِذَا أَرَدْنَاهُ أَنْ نَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ} [النحل:40] ما بين طرفة عين وانتباهتها يقلب الأمر من حال إلى حال ولذلك فإن أبا عمرو بن العلاء أحد القراء السبعة، وأحد النحويين المشهورين كان من القراء الذين اختارهم الحجاج، في العراق عند تنقيطه للمصحف وضبطه له وتحزيبه وتعشيره، فكان يقرأ على الحجاج فقرأ في سورة البقرة قول الله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ مُبْتَلِيكُمْ بِنَهَرٍ فَمَنْ شَرِبَ مِنْهُ فَلَيْسَ مِنِّي وَمَنْ لَمْ يَطْعَمْهُ فَإِنَّهُ مِنِّي إِلَّا مَنِ اغْتَرَفَ غُرْفَةً بِيَدِهِ} [البقرة:249]، والحجاج يقرأ بقراءة أهل الحجاز وهي (إِلَّا مَنِ اغْتَرَفَ غَرْفَةً بِيَدِهِ) فأنكر عليه الحجاج فقال: هكذا سمعت، وحدثه أن روايته هكذا، وقال: لتأتين بشاهد من العربية على أن (فعلة) تأتي بمعنى المرة خلال شهر أو لأجعلنك نكالاً، فخرج أبو عمرو في الأعراب في الصحراء يتلمس الشاهد على ذلك حتى لم يبق من الشهر إلا يوم واحد خرج مهموماً مغموماً، فإذا راكب يتغنى وينشد أبياتاً سمعها أبو عمرو فإذا فيها الشاهد، وإذا هو يقول: قد يموت الجبان في آخر الصـ ـف وينجو مقارع الأبطال ربما تكره النفوس من الأمر له فرجة كحل العقال وهذا الشاهد في قوله: ربما تكره النفوس من الأمر له فرجة كحل العقال فالفُرجة والفَرجة معناهما واحد وهما للمرة كالغُرفة والغَرفة، ففرح بذلك أبو عمرو فرحاً شديداً، فلما استقبله الراكب قال: ما وراءك من الخبر.

قال: مات الحجاج فإذا هو فرح آخر.

فقال: ما أدري بأيهما أفرح أبموت الحجاج أم بوجود الشاهد! فالفرج قريب جداً.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015