الحمد لله على إحسانه، والشكر له على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيماً لشانه، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وأزواجه وذريته وإخوانه.
عباد الله! إن الله سبحانه وتعالى قواكم وأنعم عليكم بجندين من جنوده هما: جند اليقين، وجند الصبر، فاليقين يتغلب على الشبهات، لا يمكن أن تقف في وجهه أيَّة شبهة، فعليكم -عباد الله- أن تحققوا يقينكم بالله، وأن تعلموا أن المصير إليه، وأن القلوب كلها بين أصبعين من أصابعه، وأن السماوات السبع، والأرضين السبع في قبضة يمينه، وقد تعرف إليكم -عباد الله- بذلك فقال: {وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّموَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ} [الزمر:67].
وقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (إن الله يقبض السماوات، الأرضين السبع بيمينه يوم القيامة، فيهزهن ويقول: أنا الملك، أين الجبارون؟ أين المتكبرون؟)، إنه ذو الجبروت والملكوت والكبرياء والعظمة، وإنه تعرف إليكم بهذا، فأيقنوا عباد الله وحققوا هذا اليقين، وبه تتعرفون إلى الله في الرخاء؛ ليعرفكم في الشدة.
ثم الجند الثاني: هو جند الصبر، الذي شرعه الله لكم، وجعل مثوبته معية الله عز وجل: {إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ} [البقرة:153].
إن هذا الصبر العظيم هو جند لا تقف في وجهه الشهوات، وهو الذي يقتضي بالإنسان الاستمرار على سلوك طريق الحق؛ فلا يستزله البطر ولا يستزله الأشر، ولا تستزله الضراء، فهو مفتون لا محالة في السراء والضراء، وقد قال الله تعالى: {وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ} [الأنبياء:35]، فصاحب الصبر هو هو على كل الحالات، لا يمكن أن يستزل بحال من الأحوال.