وإنكم هنا متعرضون لنفحات الله سبحانه وتعالى بما خصكم به في غربتكم هذه وخلوتكم، فاجتهدوا في الدعاء لله سبحانه وتعالى، واعلموا أن ذلك من أبلغ القربات، وأشدها رجاء عند الله سبحانه وتعالى.
وإن هذه الأمة محتاجة لدعائكم، فاجتهدوا لأمة محمد صلى الله عليه وسلم في الدعاء، واعلموا أنه صلى الله عليه وسلم كثيراً ما كان يدعو لأمته من يأتي منهم ومن حضر، وقد أخبر الله سبحانه وتعالى بلحاقكم بالسابقين، فقال تعالى في سورة الجمعة بعد الامتنان على هذه الأمة ببعثة محمد صلى الله عليه وسلم: {وَآخَرِينَ مِنْهُمْ لَمَّا يَلْحَقُوا بِهِمْ} [الجمعة:3]، و (لما) لنفي الماضي المنقطع، وهذا وعد من الله عز وجل لكم أن تلحقوا بأصحاب محمد صلى الله عليه وسلم.
وقد صح عنه صلى الله عليه وسلم أنه ذهب إلى المقبرة يوماً فأخذ عوداً فنكت به في الأرض فقال: (وددت لو رأيت إخواننا، قالوا: أولسنا إخوانك يا رسول الله؟! قال: بل أنتم أصحابي، وإخواني قوم آمنوا بي ولم يروني، للواحد منهم أجر خمسين، قالوا: يا رسول الله، منا أو منهم؟! قال: بل منكم، إنكم تجدون على الحق أعواناً ولا يجدون على الحق أعواناً).
وقد صح في صحيح مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (بدأ الإسلام غريباً وسيعود غريباً كما بدأ فطوبى للغرباء، قالوا: ومن الغرباء يا رسول الله؟! قال: قوم صالحون في قوم سوء كثير، من يعصيهم أكثر ممن يطيعهم)، وفي رواية: (الذين يصلحون إذا فسد الناس)، وفي رواية: (الذين يصلحون ما أفسد الناس من سنتي).