Q ما تفسير قول الله تعالى: {وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ فَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْرًا فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ} [البقرة:184]؟
صلى الله عليه وسلم هذه الآية نزلت أول ما نزل الصوم، فقد كان الصوم على التخيير إن شاء الإنسان صام وإن شاء أطعم، وذلك في وقت حاجة المسلمين إلى الإطعام، ثم نسخ ذلك بالأمر الجاد بالصيام، فقد قال الله تعالى في بداية الأمر بالصيام: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ * أَيَّامًا مَعْدُودَاتٍ فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ فَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْرًا فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنتُمْ تَعْلَمُونَ} [البقرة:183 - 184].
فهنا: أمرهم إذ ذاك أن يصوموا، فمن كان عاجزاً عن الصوم يجب عليه الإطعام مقابل كل يوم، وذلك في وقت الحاجة إلى الإطعام، ثم جاء الأمر الجاد بالصيام بعد قوله: {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ} [البقرة:185]، فلم يبق عذر في الصيام، ولم يبق التخيير الذي كان، بل نسخ التخيير بوجوب الصيام على من شهد الشهر، أي: من لم يكن مسافراً أو له عذر.
وقد قال بعض أهل التفسير: إن قوله: {وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ} [البقرة:184] أي: على الذين لا يطيقونه.
و (لا) في لسان العرب تأتي زائدة فتذكر ولا يراد بها النفي، وتحذف كذلك ويراد إثباتها، فمن إثباتها في الموضع الذي لا تقتضي فيه النفي قول الله تعالى: {لا أُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيَامَةِ} [القيامة:1]، {لا أُقْسِمُ بِهَذَا الْبَلَدِ} [البلد:1].
ومن حذفها في الموضع الذي يراد إثابتها فيه، قوله: {وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ} [البقرة:184] أي: على الذين لا يطيقون الصيام لعطش أو هرم (فدية) وهي: إطعام مسكين عن كل يوم مداً، وعموماً فبأي التفسيرين أخذت فصحيح، فالتفسير الأول تكون الآية على أساسه منسوخة، والتفسير الثاني تكون الآية على أساسه محكمة.