الإيمان بقدر الله خيره وشره محل اتفاق في الجملة بين المسلمين، وبين أهل السنة والجماعة، فكلهم يؤمنون بالقدر خيره وشره حلوه ومره، وإنما حصل الخلاف في أمر واحد وهو: أفعال العباد واستطاعتهم وقدرتهم عند صدور الفعل منهم؛ هل أفعال العبد هي من فعل العبد أم من فعل الله سبحانه وتعالى خلقها الله وقربها إلى العبد فجعلها من كسبه فتحصل عند إرادة العبد لا بها؟ هذا محل خلاف، ومذهب جمهور أهل السنة وهو مذهب الحق: أن تلك الأفعال هي من أفعال المخلوقين لهم قدرة وإرادة، قدرة يفعلون بها أفعالهم وإرادة يريدون بها، ولكنها من خلق الله، فالله خالق كل شيء وأفعال العباد من خلق الله، قال سبحانه: {وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ} [الصافات:96] ومشيئته أي العبد موجودة لكنها معلقة بمشيئة الله، قال سبحانه: {لِمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَسْتَقِيمَ * وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ} [التكوير:28 - 29].
ومع ذلك فمن قال من أهل السنة بنظرية الكسب وهو أبو الحسن الأشعري فإنه يعذر في اجتهاده؛ لأنه اجتهد فأخطأ، ومن هنا فهو مأجور على اجتهاده معذور في خطئه.