ثم بعد هذا المشاركة في إدخال الناس في دين الله، وهي وظيفة الأنبياء، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم حدد وظيفته في قوله: (إنما مثلي ومثلكم كمثل رجل استوقد ناراًَ، حتى إذا أضاءت ما حوله جعل الفراش يتساقط فيها وهذه الدواب، فجعل ينفيهن بيده وهن يقتحمن فيقعن فيها، ألا وإني ممسك بحجزكم عن النار)، فوظيفة الرسول صلى الله عليه وسلم أن يمسك بحجز الناس عن النار، وهذه الوظيفة يتجاهلها كثير من الناس، فيظن أن إسلامه هو أن يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله ويقيم الصلاة ويؤتي الزكاة فقط، ويتناسى أن عليه الحق في إعلاء كلمة الله وإعزاز دينه وإدخال الناس في دين الله، وأن مسئوليته عن هذا الوجه من الدين مثل مسئوليته عن صلاته وصيامه وزكاته وحجه؛ لأن الله خاطبنا في البداية بإقامة الصلاة وإيتاء الزكاة وأن نكف أيدينا، ثم فرض علينا بعد ذلك إعلاء كلمة الله وإدخال الناس في دينه، ولهذا قال الله تعالى: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ قِيلَ لَهُمْ كُفُّوا أَيْدِيَكُمْ وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمْ الْقِتَالُ إِذَا فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَخْشَوْنَ النَّاسَ كَخَشْيَةِ اللَّهِ أَوْ أَشَدَّ خَشْيَةً} [النساء:77].
ومن هنا فإن على المسلم أن يجعل من وقته ومما آتاه الله جزءاً كبيراً يخصصه لإعلاء كلمة الله ولنصرة دين الله ولإدخال الناس في دين الله، ولا يعذر أحد من المسلمين المنتمين للدين الذي يريدون أن ينالوا العزة بالدين في التقصير في هذا الوجه، لكن درجاتهم متفاوتة في خدمة الدين، فمنهم من يستطيع خدمته بيده، ومنهم من يستطيع خدمته بلسانه، ومنهم من يستطيع خدمته بماله، ومنهم من يستطيع خدمته بتفكيره، ومنهم من يستطيع خدمته فقط بتكثير سواد أهله بمجرد الكينونة معهم، قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ} [التوبة:119].
ولا يعذر أحد في التقصير في وجه يعلم أنه ساع به لإعلاء كلمة الله وإعزاز دينه، ومن رأى أنه بإمكانه أن يشارك في إعلاء كلمة الله بوجه فقصر في ذلك كان غير معذور يوم القيامة، وكان هذا الدين بكامله خصماً له يوم القيامة، يأتي الإسلام ويخاصمه فيقول: انتسب إلي ولم يقم بحقي.