والركن الخامس والدعيمة الخامسة من هذه الدعائم هي حج بيت الله العظيم.
وهذا البيت هو منطلق حضارة البشرية، فهو أول بيت وضع للناس، وقد شرع الله تعالى لعباده المؤمنين أن يقصدوه من مشارق الأرض ومغاربها ومن كل فج عميق، ورتب على ذلك الأجر الكثير، ورتب عليه صلاح أمورهم، فإن المسلمين علم الله أنهم سينتشرون في مشارق الأرض ومغاربها، وقد شرع لهم الأخوة فيما بينهم، ولا يمكن أن تتأكد هذه الأخوة وتوصل هذه الروابط إلا أن يجعل لهم مؤتمر سنوي يجتمعون فيه، وقد جعل الله تعالى هذا المؤتمر السنوي الموسم، فيجتمع المسلمون من مشارق الأرض ومغاربها في الحج، فيأتي فيه أغنياؤهم وفقراؤهم، وضعافهم وأقوياؤهم، وكبارهم وصغارهم، والناطقون منهم باللغات المختلفة، وذوو الألوان المختلفة، يقصدون مكان واحداً ويؤدون شعائر موحدةً ويلبسون زياً موحداً، وبذلك يحققون أخوتهم ويزيلون الفوارق بينهم.
وقد بين رسول الله صلى الله عليه وسلم حكم بعض الحج فقال صلى الله عليه سلم: (إنما جعل الطواف بالبيت وبين في الصفا والمروة ورمي الجمار لإقامة ذكر الله)، فهذه العبادات بخصوصها معينة على إقامة ذكر الله؛ لأن الإنسان مجبول على السعي لما فيه نفع دنيوي مادي.
والحج أموره تعبدية محضة لا يعرف الإنسان عللها، فلذلك إذا فعلها عن قناعة فلا يفعلها إلا تعبداً لله؛ لأن الله شرعها، ولذلك قال عمر رضي الله عنه عندما قبل الحجر: (أما إني لأعلم أنك حجر لا تنفع ولا تضر، ولولا أني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقبلك ما قبلتك).
فهنا يتجرد الإنسان من طلب التعليل، ويتجرد من التعليلات العقلية، ويعلم أنه ما يفعل هذا الفعل إلا تعبداً لله تعالى تعبداً محضاً، فلا يمكن أن يعلل رمي الجمار بهذه الحجار، ولا أن يعلل الطواف بهذه الكعبة سبعاً، ولا السعي بين الصفا والمروة، فهذه أمور لا تقبل التعليل وإنما أقيمت لذكر الله سبحانه وتعالى، فحكمتها هي إقامة ذكر الله كما بين ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم.