ثم إن من هذا الدين ما يردع أهل الفساد إذا استشرى وحصل، وهو ما يسمى بالحدود والتعزيرات، فإنها تزجر الواقعين في هذه المعاصي وهذه القاذورات عما وقعوا فيه، وتكفر عمن تاب وأحسن فيما بعدها، وهذه الفواحش التي رتب الله تعالى عليها هذه الحدود مضرة بأهل الأرض إضراراً شاملاً كاملاً لا يختص بالمتعاطين لها أو بالقائمين عليها فقط، ومن أجل هذا جعلت حدودها رادعة فمنها ما حده القتل، ومنها ما حده الرجم بالحجارة إلى الموت، ومنها ما حده قطع اليد، ومنها ماحده الجلد، فهذه الحدود لا يقصد بها التشفي من شخص واحد، وإنما يقصد بها علاج مجتمع بكامله، ومن هنا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لحد واحد يقام على الأرض خير لأهلها من أن يمطروا سبتاً) , وقوله: (من أن يمطروا سبتاً) معناه: من أن ينزل عليهم المطر أسبوعاً كاملاً.
فهذه الحدود تردع الفساد وترده وتقوم أخلاق الناس، وترد جماح الجامح منهم وتعالج مرض المريض منهم، فهي علاج رادع لشيطان الإنسان الذي يستزله في هذه المحرمات ويوقعه في هذه الفواحش.
وكذلك التعزيرات التي وكلها الله تعالى إلى اجتهاد الحكام المؤمنين القائمين بالعدل هي كذلك رادعة عن تلك الذنوب التي هي دون الأولى، فلا تصل إلى حد الحدود وإنما هي دونها وأقل منها.