وفي المقابل أيضاً إذا حصل التقصير في جانب الاعتقاد والنقص فيه، أدى ذلك أيضاً إلى التفريط في كثير من الأمور التي عليها ينبني أمر هذا الدين، فلابد أن نعلم أن التفريط في هذا الجانب مقتض لأن يقبل غير المسلم في المسلمين، وأن يتغاضى عن الكفر الصريح، وأن يتغاضى عن التعدي على حدود الله، وأن يتغاضى عن الابتداع البين الذي هو هدم للدين، وأن يترك ركناً من أركان الدين، وهو الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وأن يترك ما أخذ الله علينا العهد به من القيام بالقسط والعدل في الأرض، وهذا ما أكده الله في كتابه، فقد قال: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ} [النساء:135]، وقد قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ} [المائدة:8].
ومن هنا فالذين يريدون التنازل والمحاباة والمسامحة لابد أن يصلوا إلى خروج ومروق عن الجادة بالكلية، فهذا الدين دين فرقان يميز بين الحق والباطل، ولا يمكن أبداً أن يلبس فيه الحق بالباطل، فلبس الحق بالباطل هو الفتنة بعينها، وقد قال الربيع بين أبي الحقيق: إنا إذا مالت دواعي الهوى وأنصت السامع للقائل واصطرع القوم بألبابهم نقضي بحكم عادل فاصل لا نجعل الباطل حقاً ولا نلط دون الحق بالباطل نخاف أن تسفه أحلامنا فنخمل الدهر مع الخامل