Q كيف نقنع والدينا بعدم منعنا عما نحن فيه من توجيه الناس ودعوتهم، مع علمنا أنه ليس لهم في ذلك نية سيئة؟
صلى الله عليه وسلم الإقناع بهذا سهل جداً؛ لكثرة النصوص المتواترة فيه، ولأن الوالد دائماً شفيق، ويحب أن يكون ولده أفضل منه، فما من أحد يرضى أن يكون هناك أحد خير منه غير ولده، ولدك تريده أن يكون أعلم منك، وأن يكون أقوى منك وأحسن منك، لكن لا ترضى ذلك لأخيك، ولا لأحد آخر، فلذلك الوالد يرضى لولده دائماً أن يكون خيراً منه، ولهذا يريد له أن يتمسك بسنة النبي صلى الله عليه وسلم وأن يفعل ما كان يفعله، فعليه أن يعرض على نفسه عمل النبي صلى الله عليه وسلم، فكم عاش النبي صلى الله عليه وسلم بعد بلوغ رسالات ربه إليه؟ عاش ثلاثاً وعشرين سنة، وعلينا أن ننظر إلى العمل الغالب فيها، فما العمل الغالب في هذه الفترة من عمر النبي صلى الله عليه وسلم؟ إننا نجزم ونوقن بأن العمل الغالب فيها تبليغ رسالة ربه إلى الناس وحملها وتوجيه الناس إليها، هذا أغلب عمله، فلم يكن يشتغل بالتجارة، ولم يكن يشتغل باللعب، ولا بالبناء وتشييد المنازل.
بل قال: (ما أمرت بتشييد المساجد)، وكان يدخل في بيت فراشه حصير يبقى أثره في جنبه بأبي هو وأمي صلى الله عليه وسلم، وإذا وقف الواقف فيه مس سقفه، ولذلك عندما بنى المسجد قيل له: (ألست تريد أن نبني لك بيتاً من حجارة؟ قال: لا، ولكن عريش كعريش أخي موسى)، فكان يقول عليه الصلاة والسلام: (مالي وما للدنيا، إنما أنا كراكب استظل تحت ظل شجرة)، فلذلك علينا أن نصرف أوقاتنا فيما كان النبي صلى الله عليه وسلم يصرف فيه وقته، وإقناع الوالد بذلك أمر ميسور، وبالأخص إذا عرف أن خير العمل ما اختاره الله لنبيه، فمن يختار لولده أن يكون تاجراً أو أن يكون منغمساً في أمرٍ من أمور الدنيا وهو ويعلم أن عمل النبي صلى الله عليه وسلم أشرف من ذلك؟ وليس هذا منعاً من التجارة، بل إنما تمنع التجارة إذا ألهت عن ذكر الله، وعن الصلاة في المسجد، كما قال الله تعالى: {لا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ} [النور:37]، أما غير ذلك فلا حرج فيه إذا أخذها الإنسان كلها ووضعها في محلها، ويمكن الجمع بينها وبين تجارة الآخرة، يمكن أن يجمع الإنسان بين تجارة الدنيا وتجارة الآخرة.