الأدب التاسع: حسن الظن والتماس أحسن المخارج، فالمختلفان إذا كانا من أهل العلم والإيمان والتقوى فينبغي أن يحسن كل واحد منهما الظن بصاحبه، وأن يظن به أنه ما قصد إلا إعلاء كلمة الله، ونصرة دينه، وأنه أعمل اجتهاده، وهذا الذي أداه علمه واجتهاده، وأنه مكلف بمقتضى عقله لا بمقتضى عقول الآخرين، ويُظن به أنه ما أراد إلا الخير.
والتماس أحسن المخارج مطلوب دائمًا، كما التمس أحسن المخارج لأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان بعضهم يلتمس ذلك لبعض، فهذا مهم جدًا، ولذلك قال علي رضي الله عنه في قول الله تعالى: {وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ إِخْوَاناً} [الحجر:47]: (نزلت فينا أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم حينما اختلفنا واقتتلنا).
وعندما مر يوم الجمل على طلحة بن عبيد الله رضي الله عنه قتيلاً، وقف عليه يبكي، وهو يقول: فتىً كان يدنيه الغنى من صديقه إذا ما هو استغنى ويبعده الفقر فتىً لا يعد المال ربًا ولا يرى له جفوة إن نال مالاً ولا كبر فتىً كان يعطي السيف في الروع حقه [إذا ثَوَّبَ الداعي وَتَشْقَى بهِ الْجُزْرُ] فشهد له بهذه الصفات العظيمة التي يشهد بها الجميع لـ طلحة رضي الله عنه.
وهكذا كانوا جميعًا يقر بعضهم لبعض بما فيه من الخير، ولذلك في كتابة معاوية رضي الله عنه إلى علي رضي الله عنه حين أرسل إليه يذكر سبب عدم بيعته له، وأن بيعة أهل المدينة وأهل العراق غير ملزمة لأهل الشام، وقال في آخر الكتاب: (وأما قربك من رسول الله صلى الله عليه وسلم وسابقتك بالإسلام فأمر لست أنكره أو قال: فأمر لست أدفعه).
فهذا إقرار له بالفضل والسابقة بالإسلام والقرب من رسول الله صلى الله عليه وسلم.