ومنهم من تكون رسالته عامة شاملة، ولهذا قال الله تعالى: {لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجاً} [المائدة:48] , ومحمد صلى الله عليه وسلم هو أعمهم رسالة، ويختص عنهم بكثير من الخصائص، منها: أن الأنبياء قبله كانوا يرسلون إلى قومهم خاصة، وأرسل صلى الله عليه وسلم إلى الناس كافة.
ومنها: أنه خاتمهم، وأنه المختص بالشفاعة الكبرى والصغرى دونهم يوم القيامة.
ومنها: أنه أحلت له الغنائم، وجعلت له الأرض مسجداً وطهوراً، وكذلك الحوض المورود الذي خص به يوم القيامة ترده أمته، فيذاد عنه من غير وبدل، ويطردون كما تطرد غرائب الإبل، ويرده الذين تبيض وجوههم يوم القيامة، ويطرد عنه الذي تسود وجوههم، وهم الكاذبون على الله المغيرون المبدلون، وكذلك يطرد عنه الذين يعينون أهل الظلم، كما جاء عنه صلى الله عليه وسلم في مصنف عبد الرزاق بإسناد صحيح أنه قال: (سيستعمل عليكم في آخر الزمان أمراء يظلمون الناس ويؤخرون الصلاة عن أوقاتها، فمن صدقهم في كذبهم أو أعانهم على ظلمهم فلن يرد علي الحوض) , فهذا ثمن الحوض، وممالأة الظالمين ومساعدتهم مانعة من الشرب من حوض رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم القيامة.
كذلك يختص عنهم فيما يتعلق بالإيمان، أن يؤمن الإنسان بأن شرعه ناسخ لما سبق، وأنه لا يقبل الله من أحد إلا ما جاء به بعد مجيئه، وأن كل خير اليوم ليس من طريق محمد صلى الله عليه وسلم فهو مردود، وليس خيراً، فالخير كله ما جاء به محمد صلى الله عليه وسلم، ولا يمكن أن يأتي أحد بتكميل لما جاء به، فقد أكمله الله في قوله: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمْ الإِسْلامَ دِيناً} [المائدة:3].
وكذلك الإيمان بصفات الأنبياء المشروطة فيهم، وهي العصمة، والأمانة، والتبليغ، وعلو المنزلة، فهذه صفات الأنبياء جميعاً، كلهم يتصفون بالصدق والأمانة والتبليغ والعصمة.
وكذلك فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم من تمام الإيمان به أن يؤمن الإنسان بأنه صلى الله عليه وسلم قد ترك أمته على المحجة البيضاء التي ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك، وأن خير هذه الأمة القرن الذين بعث فيهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم، وأن خير هذه الأمة بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم أبو بكر، ثم عمر، ثم عثمان، ثم علي، ثم بقية العشرة المبشرين بالجنة، ثم بقية أهل بدر، ثم أهل بيعة الرضوان الذين بايعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم تحت الشجرة، وأحل الله عليهم رضوانهم الأكبر الذي لا سخط بعده وأنزل فيهم: {لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنْ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ} [الفتح:18] , وفيهم يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم (لن يلج النار أحد بايع تحت الشجرة).
وكذلك من تمام ما يتعلق بهؤلاء الصحابة أن نعرض عما شجر بينهم، وأن نلتمس لهم العذر فيما وقع منهم من الخطأ، وأن نعلم أنهم بشر غير معصومين يخطئون ويصيبون، ولكنهم أولى الناس بشفاعة محمد صلى الله عليه وسلم، وأولى الناس بأن يلتمس لهم أحسن المخارج، وأن يظن بهم أحسن الظنون، وأن لا يعادى أحد منهم، فهم أولياء الله، ومن عادى لله ولياً فقد آذنه بالحرب, فلا يعلن العداء على أحد من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا يذكرون إلا بخير، ويلتمس لهم أحسن المخارج، ويظن بهم أحسن المظان، وهم خيرة هذه الأمة الذين اختارهم الله لصحبة رسوله صلى الله عليه وسلم، وأولى الناس بشفاعته؛ لأنه يعرفهم، وجاهدوا معه وصحبوه، ولهذا قال الرسول صلى الله عليه وسلم -فيما أخرج عنه البخاري في الصحيح-: (يغزو فئام من الناس فيقال: هل فيكم من رأى محمداً؟ فيقال: نعم.
فيفتح لهم, ثم يغزو فئام من الناس فيقال: هل فيكم من رأى محمداً؟ فيقولون: نعم.
فيفتح لهم, ثم يغزو فئام من الناس فيقال: هل فيكم من رأى من رأى من رأى محمداً؟ فيقولون: نعم.
فيفتح لهم) , فهذه القرون الثلاثة المزكاة التي زكاها رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهي خير هذه الأمة وأفضلها.