وقد اختلف العلماء في الإسراف هل يدخل في أعمال البر أو لا؟ وأجمعوا أنه يدخل في أمور الدنيا كلها، فذهبت طائفة منهم إلى أن السرف يدخل حتى في أعمال البر، فالذي يتصدق بكل ماله، إذا كان يعلم حاجته إليه ولم يكن له تدبير يعوض به ما أنفقه فهو مسرف، واستدلوا على هذا بأن رسول الله صلى الله عليه وسلم حين بلغه أن ثابت بن قيس بن شماس جذ نخله فتصدق بثمرته كلها، ولم يستبق منها تمرة واحدة يفطر عليها، غضب رسول الله صلى الله عليه وسلم غضباً شديداً عند ذلك، فهذا دليل على أن الإسراف في مثل هذه الأمور غير محمود شرعاً.
فعلى الإنسان أن يترك ما ينفق به على أهله، وقد ثبت في الصحيحين من حديث سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه أنه مرض بمكة، فأتاه رسول الله صلى الله عليه وسلم يعوده فقال: (يا رسول الله! إني ذو مال ولا يرثني إلا بنية لي، أفأتصدق بمالي كله في سبيل الله؟ قال: لا، أمسك عليك بعض مالك، فقال: أفأتصدق بثلثيه؟ قال: لا، قال: أفأتصدق بشطره؟ قال: لا، قال: أفأتصدق بثلثه؟ قال: نعم، والثلث كثير، إنك أن تذر ورثتك أغنياء خير من أن تذرهم عالة يتكففون الناس، ولعلك أن تخلف حتى ينتفع بك أقوام، ويضر بك آخرون، فقلت: يا رسول الله! أخلف بعد أصحابي، فقال: إنك لن تنفق نفقة تبتغي بها وجه الله إلا أجرت عليها، حتى ما تجعل في فيّ امرأتك)، فعاش سعد بعد هذا زماناً، وورثه اثنا عشر ولداً لصلبه، وخرج من ثلث ماله في سبيل الله عدة مرات بعد ذلك.
وهذا يقتضي منا ألا نتعجل في تصدقنا، وأن يكون تصدقنا متزناً، فالإنسان آتاه الله تعالى ثلث ماله عند حضور أجله يمكن أن يوصي به، حتى في حال مرض الموت، ففي الحديث: (إن الله قد أعطاكم ثلث أموالكم عند موتكم تتصدقون به)، وهذا هو الوصية، والوصية لا تزيد عن الثلث، فلا يجوز للإنسان أن يوصي بأكثر من ثلث ماله.