ثم من هذه العوائق كذلك التي تحول دون التوبة الإصرار على الذنب، وهو من أعظم العوائق وأشدها فتنة، فكثير من الناس لا يحول بينهم وبين التوبة إلا لذتهم التي تدعوهم إلى الإصرار على الذنب الذي هم فيه، وهذه اللذة يستشعرها الإنسان حال مقارفة ذنب، ثم تزول وتبقى التبعة، وهو لا يستشعر ذلك.
ولهذا فإن مما يزعج الإنسان يوم القيامة أن يرى في كفة سيئاته ذنوباً كثيرة قد ذهبت لذاتها وبقيت تبعاتها، يريد أن يخرج من مال محرم فيحول بينه وبينه أن نفسه تدعوه لجمع المال، ولديه شهوة للمال، فلا يستطيع ذلك، ويسوف ويؤخر، ويريد أن يترك عادة من العادات السيئة التي كان مصراً عليها ولكن نفسه لا تطاوعه لذلك؛ لأن هذه العادة قد صادفت هوى لديه، فيميل وراء هذا الهوى، ويريد أن يترك الغيبة أو النميمة وقد أصبحت عادة وخلقاً لديه، فلا تطاوعه نفسه لذلك؛ لأنه أصبح يشتهيها ويتلذذ بها.
فإذاً هذا الإصرار سبب للطمس على القلب والختم عليه؛ لأن الملائكة يرتفعون بالأعمال إلى الله سبحانه وتعالى فيقولون: يا رب! عبدك فلان اقترف الذنب الفلاني.
ثم يعودون في وقت آخر فيقولون: يا رب! عبدك فلان ما زال مصراً على الذنب الذي اقترفه في الصباح.
ثم في الصباح الآخر، وهكذا حتى تتراكم ذنوبه عند الله، وإذا تراكمت فمعناه أن العبد لا يستحي من الله، فيختم على قلبه ويمنع من الرجوع على أثره، فلا يتذكر ذنبه حتى يسقط من الهاوية، والله تعالى يمهل ولا يهمل، يمهل الظالم حتى إذا أخذه لم يفلته.