ومن هذه المبشرات التي تدل على أن المستقبل لهذا الدين: رجوع كثير من أوساط المسلمين إلى الله سبحانه وتعالى، فنحن نشهد اليوم زيادة أعداد المساجد، وزيادة المصلين فيها، والذين كانوا منكم في هذه المدينة قبل فترة، لا شك أنهم يتذكرون عندما كان عدد المساجد فيها يسيراً، وكان رواد المسجد عدداً يسيراً من الشيوخ وكبار السن، واليوم -ولله الحمد- أعداد المساجد بهذا الحجم، وروادها بهذا العدد، وكثير منهم من الشباب الذين هم في مقتبل العمر، ومثل ذلك في أوساط النساء، وهن اللواتي كثيراً ما يعتلي بهن أصحاب الفجور، ويجعلونه من حبائل الشيطان ومن وسائل الإغواء، فاللواتي يلتزمن، ويهتدين، ويتسترن من النساء، أعدادهن متزايد، وليس ذلك خاصاً بشريحةٍ ولا طبقة، بل هو منتشرٌ في المستويات الراقية من الناحية الاجتماعية والاقتصادية، وكذلك في بلاد الكفر، فأعداد المساجد الآن في باريس وحدها تتضاعف في كل عام تقريباً، ما من عام يمر إلا ويزداد العدد بمثله تقريباً، بالإضافة إلى إقبالٍ شديد عليها، فقلما يبنى مسجد إلا ويمتلئ، وبالأخص في أيام الجمع، بل إن كثيراً من الذين فجروا وفسقوا وأوغلوا في أنواع الفجور والعصيان؛ أصبحوا اليوم من الداعين إلى الإسلام، بل وأصبح كثير منهم من الدعاة البارزين المشاهير، وتسمعون اليوم عدداً كبيراً من الخطباء والوعاظ الذي كانوا عصاة، ثم هداهم الله كالشيخ أحمد القطان في الكويت، والشيخ محمد العوضي، والشيخ عادل الكلباني والشيخ محمد بن سعيد القحطاني والشيخ سعيد بن مسفر القحطاني، والدكتور عمرو خالد المصري الذي كان من بيئةٍ موغلة في الإسراف في أمور الدنيا، ومن أرقى الطبقات الاجتماعية في مصر، وقد تربى بعيداً جداً عن دين الله والالتزام به، وقد أصبح اليوم يهتدي على يديه أعداد كبيرة جداً من الناس، وقد حضر مؤتمراً إسلامياً في باريس، وهو مؤتمر اتحاد المنظمات الإسلامية العاملة في فرنسا، وحضر هذا المؤتمر أكثر من مائة ألف من المسلمين، وكان من أبلغ المحاضرين المؤثرين فيه.
وهكذا عددٌ كبير من الذين يرتادون المساجد اليوم في كل مدينة من مدن العالم، كانوا قد فجروا وبغوا وطغوا ووصلوا إلى ذروة العصيان، ثم هداهم الله، فرجعوا طائعين غير كارهين، وأقبلوا على الدين من جديد، وقد حدثني أحد المهندسين الجزائريين وقد كان من هؤلاء الذين طغوا من قبل، قال: لم أكن أعرف شيئاً اسمه الصلاة، وكنت يوماً من الأيام راجعاً من العمل في وقت صلاة العصر، فرأيت أمام البيت والدي وهو شيخٌ كبي، ر ولا أسلم عليه إلا مرةً في الأسبوع، مع أننا نسكن في بيتٍ واحد!! فقلت: من أين جئت يا أبتي؟ قال: من المسجد، قلت: ما هو المسجد؟!، فأخذ بيدي فإذا مسجد قريب من باب دارنا، لكنه في زقاق ضيق ومختفي بطرف البيت، قلت: ماذا تعمل فيه؟ قال: أصلي أنا والمجموعة التي معي، فإذا هو يصلي مع تسعة كهول كبار السن، قال: فقلت له: إذا مت أنت وهؤلاء الكهول فسيهدم هذا المسجد ولن يتذكره أحد، قال: لا.
بل سيصل المصلون إلى باب دارنا هنا، فقال لي المهندس: واسمه محمد حبيب الله البشير: فوالله الذي لا إله غيره، لقد خرجنا من ذلك البيت توسعةً للمسجد، فالبيت أعطوه للمسجد فصار توسعة له.
واليوم شباب الجزائر خير من كهولها، وهذا دليلٌ على أن الصحوة بدأت من جديد؛ ولذلك فإن بعض طلاب العلم الدارسين هنا في موريتانيا من أبناء الجزائر يذكرون أن آباءهم كانوا أعداءهم، يمنعونهم من الصلاة، ويمنعونهم من قراءة القرآن، ويمنعونهم من الأذكار، وإذا وجدوا عندهم أي كتاب مزقوه، ويحاولون أن يكون معاشهم من الخمر وأنواع الفجور، ومع ذلك خرج من هؤلاء طلاب للعلم، مهاجرون بدينهم، يدرسونه -إلى الآن- في المحاضر.
وأذكر شاباً أتانا قبل سنوات هنا في المحضرة من بلاد المغرب، وما زال موجوداً هنا في موريتانيا حسب ما أعتقد، ذكر أنه مات أبوه وترك له خمّارة! فكان يبيع فيها الخمر، ألفى أباه يكتسب بذاك الكسب، ولم تكن له هوايةٌ إلا جمع الدراهم والدنانير، وهو مشتغل بذلك، يقول: حتى أتاني شاب أنيق نظيف، فكان يجلس إليّ ويتحدث إليّ، ثم بدأ يدعوني لزيارة المسجد، فزرت معه مسجداً، ثم دعاني لقراءة الحزب من القرآن، وهو أمرٌ معهود في المغرب، فأهل المسجد جميعاً يأخذون المصاحف ويقرءون حزباً واحداً بنغمة واحدة، قال: ثم بدأت ألتزم بأوقات الصلاة إلا صلاة الفجر، ثم فوجئت أن هذا الشاب الصديق صار يأتيني في وقت الفجر ويوقظني، فأذهب معه إلى المسجد، وبعد فترة ناقشني في قضية العمل في الخمر، وقال: أليس الأولى بك أن تحول هذا المتجر إلى متجر من نوع آخر أكثر ربحاً، وأكثر زواراً ورواداً، وأطيب، قال: أول مرة أسمع أن الخمر كسب خبيث، تفاجأت فترة مما قال، ثم عرفت أنه قد صدقني، وأنه محبٌ لي، فكان هذا سبب هدايته والتزامه.