من مظاهر بقاء هذا الدين واستمراره: أن الله سبحانه وتعالى وعد النبي صلى الله عليه وسلم بأن يبعث لهذه الأمة على رأس كل مائة سنةٍ من يجدد لها أمر دينها، وهؤلاء المجددون الذين يجددون أمر الدين ما فعلوا ذلك من تلقاء أنفسهم، ولا ابتعثوا من قبل دولة ولا سلطة، إنما ابتعثهم الملك الديان؛ لتجديد أمر الدين، وفاءً بوعده لرسوله الكريم صلى الله عليه وسلم، فهم يجددون ما جهله الناس من أمر الدين، وأخرج الخطيب البغدادي في شرف أصحاب الحديث وأبو عمر بن عبد البر في مقدمة التمهيد من حديث ابن مسعود رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (يحمل هذا العلم من كل خلف عدوله، ينفون عنه تحريف الغالين، وانتحال المبطلين، وتأويل الجاهلين) أولئك اصطنعهم الله سبحانه وتعالى ووفقهم؛ ليجعلهم أمناءه على وحيه، ولم يكن الله ليأتمن على وحيه المهلكين، لا بد أن يختار له الأمناء الموقعين عن رب العالمين، الذين يميزهم الله بما آتاهم وبما وفقهم له وسددهم، ليحفظوا دين الله سبحانه وتعالى، وأنتم تعلمون أن هذا القرآن منزه عن القذر والوسخ والأنجاس، وإذا كان في بيت أحدهم فسيجعله في أشرف مكانٍ في البيت وأطهره وأنظفه، وهذا إنما هو بأمر الله، فكذلك لا يمكن أن يختار الله أوعيته إلا أنظف الناس قلباً، وأتقاهم لله، وأكثرهم إخلاصاً له، وتضحية في سبيله، أولئك هم الذين يؤتمنون على كتاب الله.
ثم إن هذا التجديد الذي تعهد الله به لهذا الدين، يشمل تجديده من ناحية ما يتجدد من الوقائع، فالنوازل والوقائع تتجدد، والناس يبحثون فيها عن حكم الله، فيخرج الله من يستنبط الحكم فيخرجه من القرآن ومن السنة، ويبينه للناس وكأنه أنزل الآن، وكذلك ما يردون به على شبهات المفترين، وابتداع المبتدعين، وما يؤيدهم الله به من التوفيق للأدلة وبيانها.
وكذلك من أوجه التجديد: ما يجددونه من بعث روح الأمل في الناس، وبعث التضحية فيهم، وتنبيههم إلى المخاطر المحدقة بهم، فكل ذلك من تجديد أمر الدين؛ لأن الأمة إذا أحست أن الدين مهدد، فلا شك أنها ستبذل قصارى جهدها في الدفاع عن دينها الذي هو أغلى شيءٍ لديها.